الإشفاق علي الأيتام والأرامل والمسكين والضعيف

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الرابع لشهر شوال بتأريخ 27 /10/ 1446ه 25/4/ 2025)

الموضوع: الإشفاق علي الأيتام والأرملة والمسكين والضعيف . .

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: عباد الله ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه، ولا يعتدى على عاجز لعجزه.

تميَّز الإسلامُ بحفظ حقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وجعلهم في أمان ورعاية المجتمع المسلم بتكافله لهم معنويًّا وماديًّا، وقد أمر الله عز وجل بالرحمة باليتيم، فقال سبحانه:  (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)
 اليتم محنة ومصيبة
 اليتيم هو من فقد أباه ولمَّا يبلغ الحلم، فلا يُتْمَ بعد احتلام، ولذا فهو أحد الضعفاء وقد يكون أيضا أحد العاجزين، فهو من أضعف الناس لأنه فقد الظهر الذي كان يتقوى به ويحتمي بحماه، وهو من أعجز الناس؛ لأنه فقد الركن الذي كان يدبر أمره ويرعى شؤونه، وربما ترك له أبوه أمًّا هي أعجز منه وأضعف وأحوج إلى من يرعى شؤونها ويحفظ عرضها ويدفع عنها وعن صغارها.

 إن أمثال هؤلاء لو تركوا وأهملوا، ولم يجدوا من يربيهم ويرعاهم ويقوم لهم مقام الأب المشفق والراعي الحاني، فإن أحدهم ينشأ نافر الطبع، شارد الفكر، لا يحس بأي ارتباط بينه وبين مجتمعه.. فلربما تلقفتهم أيد آثمة ونفوس قذرة فكانوا بعد ذلك آلة هدم وثمرة حنظل في حلق المجتمع، أو بؤر إرهاب وإفساد وانحلال تقض مضجعه وتخيف أمنه.

تميَّز الإسلامُ بحفظ حقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وجعلهم في أمان ورعاية المجتمع المسلم بتكافله لهم معنويًّا وماديًّا، وقد أمر الله عز وجل بالرحمة باليتيم، فقال سبحانه: :  {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}   [الضحى:9]،كما أمر بإعطاء المسكين حقَّه المفروض له من قبل الله تعالى، فقال تعالى:  {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}  [الإسراء: 26].

وزيادة في تدعيم حقِّ المساكين والأرامل رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمه كلها بالسعي في قضاء حوائجهم؛ حيث رفع قدر الذي يرعى شؤونهما إلى درجة لا يتخيلها أحدٌ، فقال صلى الله عليه وسلم:  «الساعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللهِ، أوِ القائِمِ الليْلَ الصائِمِ النهارَ»؛ (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، فأيُّ أجر وأيُّ ثواب أعظم من ذلك؟!

كما حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى اليتيم واعدًا بالأجر العظيم، وذلك تأصيلًا لحقوق اليتامى في الرعاية والكفالة، فقال صلى الله عليه وسلم:   «أنَا وَكَافِلُ اليتيمِ فِي الجَنةِ كهَاتَيْنِ»، وأشار بأصبعيه، يعني السبابة والوسطي؛ (رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه).

بل بلغت درجة الرِّفق والرحمة باليتيم أنه صلى الله عليه وسلم رغَّب أفراد الأمة أن يضمُّوا اليتامى إلى أولادهم، فقال صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ مُسْلِمِينَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ»

 (رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد) (الصحيحة: 2882)

فترى المنهج الإسلامي لا ينظر إلى اليتامى والمساكين والأرامل على أنهم يحتاجون إلى متطلبات الحياة المادية فقط، بل ينظر إليهم على أنهم بشرٌ حُرِموا من العطف والحنان، ولذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه برحمة المساكين واليتامى والتخفيف عنهم، ويظهر ذلك حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل أتى إليه يشكو قسوةَ قلبه:  «أتُحِبُّ أنْ يَلِينُ قلبُكَ، وتُدرِكُ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ وامسَحْ رأسَه، وأطعِمْه مِنْ طعامِك، يَلِنْ قلبَك وتُدرِكْ حاجتَك»؛ (رواه الامام أحمد والبيهقي في السنن الكبرى – صحيح الجامع 80).
 القرآن ورعاية الأيتام
كان لليتيم حظ موفور في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في القيام عليه: رعاية وتربية، وحفظا وتأديبا، وعناية وحماية، ونهيا عن إيذائه وقهره، أو نهره وزجره.
وفي القرآن الكريم أكثر من عشرين آية تتحدث عن الأيتام:  . فتارة تربط حقهم بحق الله سبحانه وتعالى: {وَاعبدوا الله ولاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَباِلْولِدَيْنِ إِحْسَـاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ …) [النساء:36].
وتارة بالتهديد من إيذائهم والإساءة إليهم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَر}[الضحى:9]، {كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:17ـ18].
وتارة يجعل إهانة اليتيم ودفعه من علامات التكذيب بالدين: {أَرَءيْتَ الَّذِى يُكَذّبُ بِالدّينِ فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون:1ـ2]. أي يدفعه بشدة، فجعله الله من المكذبين بالدين، وهو الحساب والعقاب والوقوف بين يدي الله الواحد الديان.. فلو كان من المؤمنين بهذا الموقف والمصدقين لما دفع الأيتام ونهرهم وأساء إليهم وقهرهم.
وتارة بالترهيب من أكل أموالهم بغير حق: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (الأنعام:152)

وكذلك قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2].
وتوعد الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل بالنار: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10].
وتارة بالترغيب في الإحسان إليهم والرفق بهم والعطف عليهم، والنفقة عليهم، وأن ذلك من صفات الأبرار، فقال في وصف الأبرار في سورة الإنسان: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}[الدهر:8ـ9].

وأخبر سبحانه أن إطعام اليتيم ورعايته مما يعين على تخطي عقبات يوم القيامة: {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}[البلد:11-15].
اجتنبوا السبع الموبقات:  ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم أكل أموال اليتامى من الموبقات التي توبق صاحبها في النار، ففي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَات، قَالُوا: يَارَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ”الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).(متفق عليه).
 وجعل النبي صلي الله عليه وسلم حق الضعيفين ـ اليتيم والمرأة ـ من أولي الحقوق بالرعاية والعناية، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: حَقَّ الْيَتِيمِ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ) (أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه).
وأحرج: أي أجعل من أكله أو أخذه في حرج، وضيق وضنك؛ لأنه يأكل حق ضعيف هو يتيم أو حق ضعيفة وهي المرأة. وفي كتاب الله والسنة المطهرة دعوات كثيرة تحث على الإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وتدعو إلى رعايتهم وتقديم العون لهم، وإطعامهم والقيام على شؤونهم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
 فوائد وثمرات كفالة اليتيم
 لقد كثرت والله الشدائد، وضاق على كثير من الناس أرزاقهم، وكثر بين المسلمين اليتامى والأرامل والمساكين الذي لا يجدون ما يقتاتون به، ويحتاجون في حياتهم ولو إلى القليل، فهذه أيام الفاقة والحاجة، فليبحث كل منا عن يتيم يكفله أو أيتام، ليس فقط لأن الأيتام يحتاجون هذا، ولكن لأننا نحن أشد حاجة منهم لذلك.. فإن لكفالة اليتيم فوائد وثمرات كبيرة في الدنيا والآخرة منها:
أولها:  صحبة النبي في الجنّة: فهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: (َأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا، وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا)[رواه البخاري].. وكفي بذلك شرفا وفخرا.
 وسواء كان هذا اليتيم قريبا لك أوغريبا، فكلهم تنال به هذا الشرف العظيم، كما جاء في صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (كافِلُ اليَتِيمِ، له أوْ لِغَيْرِهِ، أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ) وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى.
 ثانيا: لين القلب وقضاء الحوائج،  فقد روى الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء قال: أتى النبي صلي الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه. قال: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك؛ يلن قلبك وتدرك حاجتك)
 ثالثا: أن يحفظك الله في أيتامك وذريتك
 قال تعالي: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (النساء:9). فالجزاء من جنس العمل.

وفي الختام عباد الله، لقد انتشرت في زماننا هذا صور متعددة من المعاملات التجارية التي ظاهرها الربح، وباطنها الغرر والجهالة، وربما الخداع والاحتيال. ومن ذلك ما يُعرف بالمنصات الإلكترونية التي توهم الناس بالربح السريع، كمثل ما حصل مؤخراً في منصة CBEX، التي انخدع بها كثير من الناس، فخسروا أموالهم، ووقعوا ضحية الطمع والجهل.

إن الشريعة الإسلامية تحرّم أكل أموال الناس بالباطل ومنه الميسر، وتحذر من كل معاملة يكتنفها الغرر أو الجهالة، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90). وقال النبي ﷺ: “مَن غَشَّنا فليس منا” (رواه مسلم) وقال ﷺ: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما”  (متفق عليه)

ألا فليعلم المسلم أن طلب الرزق يجب أن يكون بالحلال، وأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله: “من أين اكتسبه وفيم أنفقه” (رواه الترمذي)

لقد جاء في الحديث الشريف: “الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه” (رواه البخاري ومسلم)

فاعلموا أن الطمع في الكسب السريع، دون التثبت من مشروعية الوسيلة، باب عظيممن أبواب الفتنة، وأن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته. خذوا العبرة يا عباد الله من ما وقع في CBEX ومنصات غيرها، ولا تغتروا بالدعايات، ولا تنساقوا خلف الوهم، وكونوا من الذين قال الله فيهم: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ (المائدة: 2)

الدعاء: اللهم ارزقنا الحلال وبارك لنا فيه، وجنبنا الحرام ما ظهر منه وما بطن، اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ إخواننا المجاهدين في كل بقعة وكن معهم ولا تكن عليهم وفرج المعتقلين منهم اللهم انصرهم بنصرك الذى وعدت لعبادك المستضعفين فى كل مكان، اللهم انصرهم بنصرك الذي وعدت لإخواننا المستضعفين فى فلسطين وأهل غزة، اللهم أمدهم بمددك الذي لا تنقطع، اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم وانصرهم نصرا عزيزا مؤزرا، اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ إخواننا المجاهدين في كل بقعة وكن معهم ولا تكن عليهم وفرج المعتقلين منهم برحمتك يا أرحم الراحمين

Scroll to Top