بسم الله الرّحمن الرّحيم
الْخطبة الثانية لشهر الله المحرّم بتأريخ 13\1\1446هـ-19\7\2024م
حول: المسجد الأقصى ومسؤولية المسلمين تجاهه
الحمد لله رب العالمين الَّذِي جَعَلَ عَلاقَةً وَطِيدَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي فِلسطين, وقال اللهُ تبارك وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:17\1], نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ , ونَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ؛ أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمّا بعد، فَعِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً إِذْ هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَكافَة الْمَأْمُوراتِ وَالْمَنْهِيات وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ َتَّقُونَ﴾ [البقرة:2\21]
إخْوَةَ الإيمان, هَذَا هُوَ اللِّقَاءُ الثّاني فِي شَهْرِ الله المحرّم, وَمَوْضُوعُ خُطْبَتِنَا يُرَكِّزُ عَلَى: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى وَمَسْؤُوليةُ الْمُسْلِمِينَ تجاهه.
واجبنا نحو المسجد الأقصى:
أيّها المُسمون الْكِرامُ, من سبل تحرير المسجد الأقصى التخلص من العبودية لغير الله تعالى وتحقيق التوحيد بشموله وكماله والحفاظ عليه من أي خلل.
وفضلا عن ذلك, على كل مسلم استشعار المسؤولية تجاه الأقصى ومدينة القدس فيقوم بواجبه المتمثل في الدعاء والدعم المادي ونشر القضية عبر المنصات الإعلامية المتاحة والبعد عن المعاصي.
لابد أن نعلم أن الواجب لا يسقط إلا بالعذر، ويجب على كل مسلم أن يقدم ما في وسعه لنصرة الأقصى ولتحريره، فالأقصى في أمَسِّ الحاجة إلى إنقاذه قبل أن يهدم، ويبنى مكانه هيكلهم المزعوم، وهذا التحرير هو أمر يرجوه كل مسلم، وليس الأمر بالتمني ولكن ما صدقه العمل، وها نحن أولاء نضع أيدينا على نقاط محددة في سبيل عودة الأقصى والقدس وفلسطين، وينبغي اتخاذ ما يلزم نحو تحقيق هذه الخطوات العملية التي نسير بها تجاه الأقصى والأرض المقدسة، وهي كالآتي:
1-التخلص من العبودية لغير الله -عز وجل- في سبيل تحقيق التوحيد بشموله وكماله، والحفاظ على جناب التوحيد من أي خلل.
2-تحكيم كتاب الله -عز وجل- فيما بيننا، والاهتداء بهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فنرضى بشرع الله في الخلافات التي تقع بيننا؛ حيث إن تحكيم الشريعة لابد أن نبدأ به نحن أولًا – مع مطالبة غيرنا به- في المعاملات والأحكام، والبيوع والزواج والطلاق، وغير ذلك.
3-السعي إلى الوحدة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، فكفانا فرقة ونزاعات وتوترات، وكفانا تعصبًا للجماعات والقوميات، بل نتعصب للإسلام وللمنهج الرباني، ونحقق الأخوة في الله.
4-تحقيق المفاصلة بيننا وبين غيرنا بتحقيق مفهوم الولاء والبراء، وأن نطرح قضية المعايشة طرحًا وسطيًّا معتدلًا بلا إفراط ولا تفريط، ما يجوز وما لا يجوز من المعاملات مع أهل الكتاب، اﻹهداء إليهم وقبول هداياهم وعيادة مرضاهم وتعزيتهم، والبيع والاشتراء والمؤاجرة، والتصدق عليهم عند المصلحة، ورد السلام عليهم، والاستعانة بهم والتحالف معهم للمصالح الشرعية الراجحة، واﻷكل من طعامهم، والتزوج من نسائهم العفيفات، وتهنئتهم بالمناسبات الدنيوية الجائزة، والانتفاع بما عندهم من علوم وتقنيات ونحو ذلك، فدائرة المعايشة مع أهل الكتاب واسعة ولكن بلا تفريط في أمر العقيدة، فبعضنا يخطئ ويحرِّم كل المعاملات مع أهل الكتاب، وبعضنا على النقيض لا يحرم شيئًا البتة، فهذه القضية من القضايا الفارقة بين المؤمنين والمنافقين، ولم يفصل الله -عز وجل- بين المؤمنين وأعدائهم من قومهم إلا بعد أن فاصل المسلمون أعداءهم، وقد نالت هذه القضية حظًّا وفيرًا في القرآن.
5-إصلاح النفس والأهل:
إصلاح النفس والأهل؛ فالأسرة هي اللبنة الأقوى في كيان الأمة، فينبغي أن تتحول الأسرة المسلمة إلى نواة إيمانية قوية، وبهذا انتشر الإسلام بأفراد قلائل في بداية الدعوة، وانتصر بالأسرة المسلمة، ويتضح ذلك من دراسة سيرة أسرة عمار بن ياسر، وأسرة أبي سلمة وأم سلمة -رضي الله عنهما.
6-السير على طريق مَن قاموا بتحريره قبلنا، مثل: (عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، وقطز الذي حرر فلسطين من التتار)؛ فهؤلاء أحيوا قضية الدفاع عن المقدسات بالروح والدم والمال.
7-استشعار كل مسلم المسؤولية تجاه الأقصى ومدينة القدس، فيقوم بواجبه المتمثل في: (الدعاء، والدعم المادي، ونشر القضية عبر المنصات الإعلامية المتاحة، والبعد عن المعاصي).
8-قيام الآباء بواجبهم تجاه الأقصى بتنشئة الأبناء على حب المسجد الأقصى والتعلق به، وإطلاعهم على تاريخه وتاريخ المدينة المقدسة، وإحياء القضية عند النشء، وتوضيح الفرق بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
9-قيام العلماء والدعاة بتبني هذه القضية ونشرها وسط الناس.
أن تتحول قضية المسجد الأقصى إلى قضية أمة، وأن تكون هي القضية الأولى على مستوى الأفراد والشعوب والحكومات.
10-أن يعلم جميعنا أن قضية المسجد الأقصى ليست قضية فلسطينية فقط وإنما هي قضية إسلامية، فهي ترتبط بعقيدة المسلمين.
11-العمل على استمرار رباط إخواننا من أهل فلسطين في المسجد الأقصى وتكثيف وجودهم فيه.
12-الحذر من التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ فبهذا التطبيع تضيع القضية:
أن تعمل الحكومات والمؤسسات على مراقبة الحفريات التي يقوم بها اليهود بجوار المسجد الأقصى ومتابعتها.
13-قيام الإعلام العربي والإسلامي بمختلف أنواعه بتبني هذه القضية، وأن يستوعب الإعلاميون هذا الملف جيدًا، ولا يكون الكلام بعفوية أو ارتجالية في هذه القضية؛ فالإعلام بالغ التأثير الآن في خدمة القضية أو في تضييعها.
14-قيام المؤرخين والباحثين والكُتاب بدورهم نحو التأليف والكتابة عن تاريخ المسجد
الْخُطْبَةُ الثّانِية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين القائل في كتابه العزيز: ) ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ (74). والصلاة والسّلام على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد,
فعبادَ الله الْكِرَام, لا بُدَّ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمَزَاعِم الْيَهُودِية الْفَاسِدَة نَحْوَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى.
: مزاعم اليهود حول المسجد الأقصى
أيها المسلمون الكرام, أثبت علماء الآثار من اليهود والأوروبيين والأمريكان الذين نقّبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان تحت الحرم القدسي ولا تحت المسجد الأقصى.
التاريخ لا يثبت وجود هذا الهيكل بل يُعِدُّه من الأساطير والخرافات المؤسسة للعقيدة اليهودية.
يزعم اليهود أن المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان، وعندما نقف على حقيقة الهيكل الذي نسج اليهود المعاصرون حوله أسطورة كبيرة، ويتخذونها اليوم ذريعة، لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة لهدم المسجد الأقصى، ندرك للوهلة الأولى أنه ليس للهيكل وجود حقيقي، بل هو أسطورة يهودية نسجتها أيدي أحبار اليهود وحاخاماتهم، ثم نسبتها إلى نبي الله سليمان -عليه السلام-، والثابت -تاريخيًا وكما جاء في السنة النبوية – أن سليمان، -عليه السلام-، لم يبنِ هيكلاً كما تزعم التوراة، بل الثابت أنه بنى لله -تعالى- مسجدًا وهو المسجد الأقصى، وإن قصة الهيكل كما ترويها الكتب المقدسة عند اليهود قصة خرافية، والهيكل نفسه ليس له وجود حقيقي في التاريخ.
ويدل على ذلك الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد أن أبا ذر – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة». وجاء في شرح الحديث في فتح الباري لابن حجر العسقلاني وتفسير ابن كثير، أن أول من أسس مسجد بيت المقدس، وهو المسجد الأقصى هو آدم -عليه السلام-؛ ليكون قبلة لبعض ذريته، وذكر بعض أهل العلم أن أول من بنى المسجد الأقصى هو إبراهيم -عليه السلام-، وأن داود -عليه السلام- أراد تجديد ذلك البناء، ولكنه لم يكمله فأكمله ابنه سليمان -عليه السلام- وأتمه وبناه بناء عظيمًا.
وأخيراً, اليوم هو اليوم الــــــ287 منذ7, أكتوبر , 2023م ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازره في قطاع غزة مستهدفاً المدنيين من النساء والأطفال, مما أسفر عن عشرات الشهداء والمصابين. والحمد لله رب العالمين, مع كل هذه المجازر لا يزال الله تعالى في عون إخواننا كتائب القسام وغيرهم من حركات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة على ميادين الحرب وهنا يتأكّد وجوب الجهاد العيني على الأمّة الإسلامية في أنحاء العالم, إنقاذاً للمسجد الأقصى ولمقدسات الأمّة في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين, كما وصفها القرآن الكريم.
الدُّعَاءُ:
اللهم أبْطِلْ مكر أعداء الإسلام، وأبطل اللهم مُخطَّطاتِهم التي يُخَطِّطونها، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك في نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم إنا نسألك أن تؤلف بين قلوب المسلمين على الحق، اللهم انصر الشعب الفلسطيني، وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع الكَرْبَ، واكْشِف الضُّرَّ، اللهم اشف مرضاهم ومرضى المسلمين، اللهم فُكَّ أسْرى أهل فلسطين وأسرى المسلمين، اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العامين. وصَلّى اللهُ على سيِّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.