عوامل نقصان الإيمان وزيادته

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية لشهر شوال بتأريخ 13 /10/ 1446ه (11/4/ 2025)

الموضوع: عوامل نقصان الإيمان وزيادته

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد عباد الله : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

ثم اعلموا – رحمكم الله – أن أهمّ ما يجب على العبد العنايةُ به في هذه الحياة: الإيمان؛ فهو أفضل ما اكتسبته النفوس وحصَّلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة ، بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على الإيمان الصّحيح فهو أعظم المطالب وأجلّ المقاصد وأنبل الأهداف:

فبالإيمان – عباد الله – يحيا العبد الحياة الطيبة في الدارين وينجو من المكاره والشرور والشدائد ويدرك جميل العطايا وواسع المواهب. وبالإيمان ينال ثواب الآخرة فيدخل جنةً عرضها كعرض السماء والأرض فيها من النّعيم المقيم والفضل العظيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وبالإيمان -عباد الله – ينجو العبد من نارٍ عذابُها شديد وقعرها بعيد وحرّها أليم.

وبالإيمان يفوز العبد برضا ربه سبحانه فلا يسخط عليه أبدا، ويتلذذ يوم القيامة بالنظر إلى وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

وبالإيمان يطمئن القلب وتسكن النفس ويُسَرُّ الفؤاد ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: ٢٨] .

عباد الله: اعلموا أن هذا الإيمان قول وعمل، وهو يزيد وينقص، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة، كما قال الله تعالى في محكم آياته :(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) 4 الفتح، وقال تعالى:( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (مريم\76)

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه: (هلموا نزداد إيمانا. وروي عن أبي الدرداء عويمر الأنصاري رضي الله عنه أنه قال : (مِن فِقهِ العبد أن يعلم أمزدادٌ هو أو منتقصٌ، وإن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تَأتيه) ، وعن عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه قال: (الإيمان يزيد وينقص، فقيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا، فذلك نقصانه).

عباد الله، نقصان الإيمان مرض يعتري القلوب المؤمنة، وهو من أخطر أمراضها، لما ينشأ عنه من الوقوع في المعاصي، والتهاون في الواجبات، وقسوة القلب، وضيق الصدر، وتغير المزاج، وعدم التأثر بقراءة القرآن، والغفلة عن ذكر الله عز وجل .. إلى غير ذلك، وإذا عُرِفَت العواملُ والأسبابُ، أمكن تشخيص المرض ووصف العلاج، فلنقصان الإيمان أسباب متعددة نذكر لكم أهمها:

1–البعد عن الأجواء الإيمانية: من حضور مجالس الذكر، والصلاة في جماعة، ومجالسة الصالحين. يقول الحسن البصري: (إخواننا عندنا أغلى من أهلينا ، أهلونا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا الآخرة).

2–فقدان القدوة الصالحة: لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ووُرِّي الترابُ قال الصحابة رضي الله عنهم: (فأنكرنا قلوبنا) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

3–الاختلاط بأهل الفسق والفجور: وذلك من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.

4 –الانشغال الشديد بأمور الدنيا: وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ هذِه حالُه ، وعَدَّه عبداً للدنيا ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ ،إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ »  رواه البخاري.

5- طول الأمل: قال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:3] ، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

6–الإفراط في المباحات من أكل ، وشرب ، ونوم ، وكلام ، وضحك ، قال صلى الله عليه وسلم : (وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ) رواه الترمذي وصححه الألباني.

عباد الله، وإذا كان نقصان الإيمان مرض يصيب القلوب، فلكل داء دواء، ولكل مرض علاج، فمن الأسباب التي تعين المسلم على تقوية وزيادة الإيمان، وتعالج مرض ضعف الإيمان:

أولا: تدبر القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل تبيانًا لكل شيء ونورًا يهدي به سبحانه من شاء من عباده، ولا شك أن فيه علاجًا عظيمًا ودواءً فعالًا؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]،

ثانيا: استشعار عظمة الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها.

ثالثا: لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان، في صحيح مسلم: أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم قَالَ (لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ).

رابعا:  الاكثار من الأعمال الصالحة، وملء الوقت بها؛ وهذا من أعظم أسباب العلاج؛ وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير.

خامسا: تنويع العبادات: من رحمة الله وحكمته أن نوّعَ لنا العبادات؛ فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة، ومنها ما يكون بالمال كالزكاة، ومنها ما يكون بهما معًا كالحج، ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء.

سادسا: الخوف من سوء الخاتمة؛ لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة، ويجدد الإيمان في القلب.

سابعا: الولاء والبراء أي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين؛ وذلك أن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف

ثامنا: محاسبة النفس ،يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18].

تاسعا: معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله بها، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية ، والأوصاف الكريمة.

عاشرا: التفكر في الكون : في خلق السماوات والأرض ، وما فيهن من المخلوقات المتنوعة ، والنظر في نفس الإنسان وما هو عليه من الصفات ،

حادي عشر: الدعوة إلى الله وإلى دينه والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر. ومنها التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض وتقديم ما يحبه الله على كل ما سواه عند غلبة الهوى، وكذلك الخلوة بالله وقت نزوله بالليل، لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، ومنها مجالسة العلماء الصادقين المخلصين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ومن الأسباب كذلك: طلب العلم الشرعي : فالعلم مقدم على العمل، فلا عمل دون علم، فيعرف المؤمن ربه تعالى من خلال ذلك العلم ويصحح عقيدته، ويعرف نفسه وكيف يهذبها، ومن الأمور التي تجدد الإيمان: قصر الأمل، وهذا مهم جداً في تجديد الإيمان.

عباد الله، وهناك أعمال للقلوب، مهمة في تجديد الإيمان مثل محبة الله والخوف منه ورجائه وحسن الظن به والتوكل عليه، والرضا به وبقضائه، والشكر له والصدق معه واليقين به، والثقة به سبحانه، والتوبة إليه وما سوى ذلك من الأعمال القلبية.

وختاماً فإن دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الحاكم في المستدرك.

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الذي أمرنا بنصرة المظلومين ورفض الظلم بكل أشكاله. نشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمدًا رسول الله.

 أولاً عباد الله، نود أن نذكركم بصيام ستة من هذا الشهر- شوال وما له من أجر كبير قبل فواته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‌صَامَ ‌رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم)

وثانيًا، لم يزل أحرار العالم تشاهد بقلوب مثقلة بآلامٍ العدوانَ المستمر على إخواننا في غزة. لقد أدت الإبادة الجماعية التي تقوم بها دولة الاحتلال مدعومة بسلاح أمريكا إلى سقوط أكثر من 50 ألف شهيد، وما زالت المعاناة مستمرة. وهذا يحتم علينا أن نقف جميعًا موقفًا واحدًا في إدانة هذه الوحشية وفي دعم المستضعفين المضطهدين.

لقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى واضحة بشأن هذه القضية، تؤكد على وجوب دعم إخواننا في غزة. أكد الفتوى أنه فرض على كل مسلم قادر أن يدعم إخوانه في غزة بكل ما يملكه ويستطيعه من إمكان، سواء كان ذلك من خلال التدخل العسكري، أو المعونة الاقتصادية، أو الضغط السياسي على الحكومات للقيام بجانب الحق وعمل ما ينبغي.

كما جاء في الفتوى: (وجوب جهاد الكيان الصهيوني وكل من يشترك معه على الأرض المحتلة في إبادة أهلنا في غزة من المرتزقة والجنود من أي دولة، وذلك بالتدخل العسكري وإمداد المجاهدين بالمعدات الحربية والخبرات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية)

عباد الله، يذكرنا القرآن بأهمية الوحدة والتعاون. يجب أن تقف الأمة الإسلامية موقفًا واحدًا في مواجهة العدوان، وتضع خلافاتها جانبًا وتعمل نحو هدف مشترك.

ودعا الاتحاد الحكومات العربية والإسلامية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف العدوان على غزة. كما حث قادة المسلمين على العمل نحو موقف مُوحَّد ضدَّ الاحتلال ودعم حقوق الشعب الفلسطيني (لعلهم يفعلون).

عباد الله، لن ينسى التأريخ ولن يرحم كل من وقفوا في دعم غزة، بما في ذلك الحكومات والمنظمات والأفراد. فعليكم جميعا أيها المسلمون أن تقوموا بالواجب فإن الله سائلنا عما قدم كل واحد منا في دعم المستعفين الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. فهل منكم ولي؟ وهل منكم نصير؟

ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار

اللهم انصرهم بنصرك الذى وعدت لعبادك المستضعفين فى كل مكان

اللهم انصرهم بنصرك الذي وعدت لإخواننا المستضعفين فى فلسطين وأهل غزة

اللهم أمدهم بمددك الذي لا تنقطع

اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم وانصرهم نصرا عزيزا مؤزرا

﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ البقرة\201

Scroll to Top