الشرك بالله وخطورته

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثالثة لشهر ربيع الثاني بتأريخ 15/4/ 1446ه (18/10/ 2024م)

الموضوع: الإشراك بالله وخطورته

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين جعل الأمن مقرونًا بالإيمان فقال سبحانه وتعالى : «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» [قريش:106/3-4]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسبحانه وتعالى عما يشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق و به كانوا يعدلون وسلًّم تسليمًا كثيراً.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (آل عمران: 102)

عباد الله ! إن من الواجبات المحتمات، ومن أهم المهمات؛ أن يعرف العبد معنى الشرك وخطره وأقسامه حتى يتم توحيده، ويسلم إسلامه، ويصح إيمانه ولهذا كان محورنا فى خطبة اليوم يحول حول الشرك بالله وخطورته

تعريف الشرك

اعلم وفقك الله لهداه أن الشرك في اللغة هو: اتخاذ الشريك يعني أن يُجعل واحداً شريكاً لآخر. يقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين.

وأما في الشرع فهو: اتخاذ الشريك أو الند مع الله جل وعلا في الربوبية أو في العبادة أو في الأسماء والصفات.

والند هو: النظير والمثيل. ولذا نهى الله تعالى عن اتخاذ الأنداد وذم الذين يتخذونها من دون الله في آيات كثيرة من القرآن فقال تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة / 22.

وقال جل شأنه: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) إبراهيم / 30.

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري (4497) ومسلم (92).

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الشرك والتنديد تارة يكون مخرجاً من الملة، وتارة لا يكون مخرجاً من الملة، ولذا اصطلح العلماء على تقسيمه إلى قسمين: (شرك أكبر، وشرك أصغر)

أولاً: الشرك الأكبر

وهو أن يصرف لغير اللهِ ما هو محض حق الله من ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وهذا الشرك تارة يكون ظاهراً:

 كشرك عبَّاد الأوثان والأصنام وعبَّاد القبور والأموات والغائبين

كما أن هذا الشرك تارة يكون في الاعتقادات كاعتقاد أن هناك من يخلق أو يحي أو يميت أو يملك أو يتصرف في هذا الكون مع الله تعالى.

أو اعتقاد أن هناك من يطاع طاعة مطلقة مع الله، فيطيعونه في تحليل ما شاء وتحريم ما شاء ولو كان ذلك مخالفا لدين الرسل.

أو الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يُحب مخلوقا كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال الله فيه: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) البقرة / 165.

وتارة يكون الشرك في الأقوال كمن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ سواء كان هذا الغير نبيا أو وليا أو مَلَكا أو جِنِّياًّ، أو غير ذلك من المخلوقات، فإن هذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.

وكمن استهزأ بالدين أو مثل اللهَ بخلقه، أو أثبت مع الله خالقاً أورازقاً أو مدبراً، فهذا كله من الشرك الأكبر والذنب العظيم الذي لا يغفر.

وتارة يكون في الأفعال:

كمن يذبح أو يصلي أو يسجد لغير الله، أو يسن القوانين التي تضاهي حكم الله ويشرعها للناس، ويلزمهم بالتحاكم إليها، وكمن ظاهر الكافرين وناصرهم على المؤمنين، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي أصل الإيمان، وتخرج فاعلها من ملة الإسلام. نسأل الله عفوه وعافيته.

ثانياً: الشرك الأصغر

وهو كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، أو ورد في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر.

وهذا يكون في الغالب من جهتين:          
الأولى: من جهة التعلق ببعض الأسباب التي لم يأذن الله جل وعلا بها، كتعليق الكَفِّ والخرز ونحو ذلك على أنها سبب للحفظ أو أنها تدفع العين والله تعالى لم يجعلها سبباً لذلك لا شرعاً ولا قدراً.     
الثانية: من جهة تعظيم بعض الأشياء التعظيم الذي لا يوصلها إلى مقام الربوبية، كالحلف بغير الله، وكقول: لولا الله وفلان، وأشباه ذلك.

الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث الحكم

فهو أن الشرك الأكبر مخرج من الإسلام، فيُحكم على فاعله بالخروج من الإسلام والارتداد عنه فيكون كافراً مرتداً.

وأما الشرك الأصغر فلا يخرج من الإسلام، بل قد يقع من المسلم ويبقى على إسلامه، غير أن فاعله على خطر عظيم، لأن الشرك الأصغر كبيرة من كبائر الذنوب حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً) فجعل رضي الله عنه الحلف بغير الله (وهو شرك أصغر) أقبح من الحلف بالله كاذباً ومعلوم أن الحلف بالله كاذباً من الكبائر.

الخطبة الثّانية

الحمد لله وحده لا شريك له والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده،وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

عباد الله ! أن الشركَ بالله أقبحُ الذنوب وأكبرها على الإطلاق، لا يغفره الله لمن مات عليه، بل هو خالدٌ مخلدٌ في النار لِعظم جُرمه في حق الله الكبير المتعال؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ رواه البخاري ومسلم.

فعَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما عدَّ من هذه الموبقات المهلكات الشركَ بالله سبحانه وتعالى، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لقِي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.

فدلَّت نصوص الكتاب والسنة على خطورة أمر الشرك، وعِظم المصيبة فيه، فليس هو بالأمر الهيِّن، بل هو أخطر من القتل والزنا والسرقة؛ لتعلُّقه بالله العظيم وبحقه في الإفراد والتوحيد.

فالشرك بالله: تسوية غير الله بالله في ما هو من خصائصه سبحانه وتعالى، فهو تَنَقصٌّ لله وهضمٌ لحقه العظيم وهو التوحيد.

واعلم أنّ مِن خطورة الشرك: أنه يحبط الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ في أشرفِ الناس وخيارِهم من أهل الأرض – وقد كانوا يحجون ويتصدَّقون، ويكرمون الضيف، ويفعلون الكثير من أمور الخير والبر والصلة والإحسان – ليُعلمهم أن شركَهم بالله العظيم مُحبِطٌ لجميع هذه الأعمال.

ومن خطورة الشرك: أن المصيرَ المحتومَ للمتلبسِ به هو النار وبئس المصير؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: 72]، وقد مرَّ معنا حديث جابر وفيه: (( … ومن لقِيه يُشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.

ولأنَّ الشركَ ينافي التوحيد الذي جاء به الأنبياء، فإنه ما مِن نبي بعثه الله إلا بعثه بالنذارة عن الشرك؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [الأحقاف: 21].

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزِل عليه: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، فقال: ((يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا))، فغَلَّظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؛ لأنه سيعاديهم عليه بعد ذلك.

ولولا هذا التغليظ، لَمَا جرى على النبي صلى الله وأصحابه مِن قريش مِن الأذى والبطش ما جرى مِمَّا هو مُفَصَّلٌ في كتب السِّيَر.

ولخطورة الشرك: كان الصالحون وأولياء الله المتقون – ولا يزالون – يخافون على أنفسهم من مقاربته أو الوقوع فيه؛ لِعلمهم ما يورثه الشرك من المهانة والذل والصغار، وعلمهم أن مصير المشركين النار، فهذا إمام الموحدين وسيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام، يخاف الشرك على نفسه وعلى بنيه، فيقول في دعائه: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، وهذا يعقوب عليه السلام يخاف على بنيه من بعده أن يَحيدوا عن التوحيد، وأن يواقعوا الشرك بالله العظيم، فيجمعهم كما حكى الله تعالى عنه: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133]، وكيف لا يخاف يعقوب وقد خاف أبوه إبراهيم من قبل؟! قال إبراهيم التيمي رحمه الله: «ومَن يأمَن البلاء بعد إبراهيم؟!».

بل هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يخاف الشرك، ويحذِّر منه أُمَّته، ويخافه عليهم، ويسدُّ عليهم منافذه وطُرقه الموصِّلة إليه؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وحِفظًا ووقايةً لأمته من الوقوع في الشرك، فمن ذلك:

١- ما روى البخاري في «الأدب المفرد»، وصحَّحه الألباني عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا أبا بكر، للشركُ فيكم أخفى من دبيب النمل))، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخرَ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته، ذهب عنك قليله وكثيرُه؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لِما لا أعلم)).

٢- وروى أحمد في مسنده وحسنه الألباني، عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: ((يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟! قال: قولوا: ((اللهم إنَّا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه)).

فخاف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على أمَّته، وحذَّرهم خطره، وبيَّن لهم أنه من خطره يخفى حتى يكون أشد في خفائه من دبيب النمل.

وقد علِم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الشرك سيقع في هذه الأمة، فعن ثوبان مرفوعًا مِن حديث طويل رواه أبو نعيم في الحلية وفيه: (( … ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تُعبد قبائل من أمتي الأوثان)).

فحرَص النبي صلى الله عليه وسلم على تجنيب أُمته ذلك الخطر العظيم؛ فنهاهم عن اتخاذ القبور مساجد، ونهاهم عن الصلاة عندها، ونهاهم عن إيقاد السرج عليها، ونهاهم عن تجصيصها والبناء عليها والزيادة عليها من غير ترابها، وأمر بتسويتها، ونهى عن عيادتها بما فيها قبره صلى الله عليه وسلم، ونهى عن الألفاظ التي تحتمل الشرك وعدمه، ونهى عن الغلو في ذاته صلى الله عليه وسلم وحذر من ذلك.

كل هذا وغيره كثير؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وسدًّا وقطعًا لمنافذ الشرك والتنديد، وحفظًا ومنعًا لأُمته من خطره العظيم.

وقد روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: “كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدركني”، عصَمنا الله وإياكم من الفتن، ونجَّانا وإياكم من الشرك ومن نوافذه وطرقه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، وألِّف بين قلوبهم، ووحِّد صفوفهم، ووفِّقهم لاتِّباع كتابك وسُنة نبيِّك، اللهم هيِّئ لنا الأسباب لتحرير المسجد الأقصى، واهْدِ المسلمين حُكَّامًا ومحكومين لإقامة شريعتك، ونصرة دينك.

اللهم عليك باليهود المعتدين، وبمن يعينهم من النصارى والمنافقين، اللهم انتقم منهم، وخالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.إنك مجيب الدعوات وبالإجابة جدير والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.      

Scroll to Top