TMC Friday Khutbah Banner (Website)

حُكْم الاحْتِفَالِ بِالْعامِ الْمِيلَادِي الْجَدِيدِ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الأولى لشهر جمادى الثّانية بتأريخ 6/6/1444هـــ – 30/12/2022م

حول: حُكْم الاحْتِفَالِ بِالْعامِ الْمِيلَادِي الْجَدِيدِ

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين , حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكَا فِيهِ , كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ, لَا نَبْغِي غَيْرَهُ رَبّاً, وَلَا نَتَّخِذُ غَيْرَهُ وَلِيّاً , وَلَا نَبْتَغِي غَيْرَهُ حكمًا, وَلَا نُشْرِكُ بِهِ وَلَا مَعَهُ أَحَدًا وَلَا شَيْئًا, لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَا إِيّاهُ, مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. القائل في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة: 5/48]. نحمَدُهُ سُبْحَانَهُ وتعالى ونشكُرُهُ ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ علَيْهِ ونَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, إِنَّهُ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْجَزَاء.

أمَا بَعْدُ,

فَيَا عِبَادَ اللهِ, أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرًّا وَجَهْرًا, طِبْقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:3/102].

إخوَةَ الإيمان, هَذَا هُوَ اللِّقَاءُ الأَوّلُ فِي شَهْرِ جُمَادَى الثَّانِية, سادِسِ الشُّهُورِ القمريّة الإِسلامِيّة. وَمَوْضُوعُ خُطْبَتِنَا الْيَوْمَ يَتَرَكَزُ عَلَى: حُكْمِ الاحْتِفَالِ بِالْعامِ الْمِيلَادِي الْجَدِيدِ.

أيُها الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام, لا يجوز لأحد من المسلمين مشاركة أهل الكتاب في الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية” ولا تهنئتهم بهذه المناسبة لأن العيد من جنس أعمالهم التي هي دينهم الخاص بهم، أو شعار دينهم الباطل، وقد نهينا عن موافقتهم في أعيادهم، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار:

1- أما الكتاب: فقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72]. قال مجاهد في تفسيرها: إنها أعياد المشركين، وكذلك قال مثله الربيع بن أنس، والقاضي أبو يعلى والضحاك. وقال ابن سيرين: الزور هو الشعانين ، والشعانين: عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس كما في اقتضاء الصراط المستقيم 1/537، والمعجم الوسيط1/488، ووجه الدلالة هو أ نه إذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده.

2- وأما السنة: فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذا اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر. رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي على شرط مسلم. ووجه الدلالة أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما…… والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، وقوله صلى الله عليه وسلم: خيراً منهما. يقتضي الاعتياد بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.

3- وأما الإجماع: فمما هو معلوم من السير أن اليهود والنصارى ما زالوا في أمصار المسلمين يفعلون أعيادهم التي لهم، ومع ذلك لم يكن في عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، وكذلك ما فعله عمر في شروطه مع أهل الذمة التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يُظْهِرونَ أعيادهم في دار الإسلام، وإنما كان هذا اتفاقهم على منعهم من إظهارهم، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها! أو ليس فعل المسلم لها أشد من إظهار الكافر لها؟ وقد قال عمر رضي الله عنه: “إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة تتنزل عليهم”. رواه أبو الشيخ الأصبهاني والبيهقي بإسناد صحيح. وروى البيهقي أيضاً عن عمر أيضاً قوله: “اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”. وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟ ثم قوله: واجتنبوا أعداء الله في عيدهم. أليس نهياً عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف عن عمل عيدهم……… اقتضاء الصراط المستقيم 1/5154-

4-وأما الاعتبار فيقال: الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48].قال ابن تيمية: فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. )اقتضاء الصراط المستثقيم 1/528(

قال أيضاً: ثم إن عيدهم من الدين الملعون هو وأهله، فمواقتهم فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه…. ومن أوجه الاعتبار أيضاً: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً لهم، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يقضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر….هذا ما تيسر ذكره من الأدلة. ومن أراد الاستزادة فليراجع اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية، وأحكام أهل الذمة لابن القيم، والولاء والبراء في الإسلام لمحمد سعيد القحطاني. وبناءً على ما تقدم نقول: لا يجوز للمسلم مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم، لما تقدم من أدلة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار.

الْخطبة الثّانية:

إنّ الحمد لله وكفى والصّلاةُ والسّلامُ عَلَى النّبيِّ الْمُصطفى وعلَى آله وصحبه أهل الوفاء والصّفاء. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء الأوفى.

أمّا بعد، فيا عباد الله ، من الأمور التي ينبغي تسليط الضوء عليها في الوقت الراهن هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن بعض إخواننا المسلمين هل يجوز تهنئة الكفار أو بعضنا بعضا بقدوم العام الجديد؟

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم التهنئة لبداية السنة, بما يفعله الناس؛ كأن يقول أحدهم للآخر: كل عام وأنتم بخير, ونحو ذلك؟ فأجاب: التهنئة برأس العام الجديد ليست معروفة عند السلف؛ ولهذا تركها أولى, لكن لو أن الإنسان هنَّأ الإنسان بناءً على أنه في العام الذي مضى أفناه في طاعة الله عز وجل فيهنئه لطول عمره في طاعة الله فهذا لا بأس به؛ لأن خير الناس من طال عمره وحسن عمله, لكن هذه التهنئة إنما تكون على رأس العام الهجري, أما رأس العام الميلادي فإنه لا يجوز التهنئة به؛ لأنه ليس عامًا شرعيًا, بل إن هنئ به الكفار على أعيادهم، فهذا يكون الإنسان فيه على خطر عظيم أن يهنئهم بأعياد الكفر, لأن التهنئة بأعياد الكفر رضا بها وزيادة, والرضا بالأعياد الكفرية ربما يخرج الإنسان من دائرة الإسلام, كما ذكر ذلك ابن القيم – رحمه الله – في كتابه أحكام أهل الذمة. قال الإمام ابن القيم: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه”. وخلاصة القول: أن التهنئة برأس العام الهجري تركها أولى بلا شك؛ لأنها ليست من عهد السلف, وإن فعلها الإنسان فلا يُؤَثم, وأما التهنئة برأس العام الميلادي فلا يجوز.

وحري بالتنبيه: أن التهنئة – فيما تشرع فيه – ينبغي أن تكون بالمباركة, والدعاء من المسلم لأخيه المسلم فيما يسره ويرضيه، ونحو ذلك مما يحيي روح التلاحم والتآخي بين أبناء هذا الدين. والله أعلم

الدعاء:

اللّهُمّ أَعِزَّ الْإِسْلامَ وَالْمُسْلِمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ, وَدَمِّرْ عَدَاءَكَ, عَدَاءَ الدِّينِ مِنَ الْيَهُودِ والنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ بِجَاهِ قَوْلِكَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ, وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. اللهمّ ولّ عَلَيْنَا خِيَارَنَا وَلَا تُوَلِّ عَلَيْنَا شِرَارَنَا وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لا يَخَافُكَ فِينا وَلَا يَرْحَمُنَا برحمتكَ يا أرحم الراحمين. اللهمّ اجعل نيجيريا بلدًا آمنا مطمئنّا, سخآء, رخآء وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.  وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.

Scroll to Top