بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى لشهر جمادى الأولى بتأريخ 6/5/ 1446ه (8/11/ 2024م)
الموضوع: لماذا اهتمام بالمسجد الأقصي وما دور المسلم في استرجاعه.
الْحَمْدُ للهِ ربِّ الْعَالَمِين, نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ , ونَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ؛ أشْهَدُ أنْ لاَإلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمّا بعد،
فَعِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً إِذْ هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَكافَة الْمَأْمُوراتِ وَالْمَنْهِيات وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:2\21].
أهميّة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين .
إنّ للمسجد الأقصى في الإسلام أفضالٌ عظيمةٌ، وله في نفوس المسلمين منزلةً رفيعةً ومكانةً عظيمةً؛ حيث أشارت آيات القرآن الكريم وأحاديث السّنة النبويّة الشّريفة إلى عدّة ميّزات للمسجد الأقصى في الشّريعة الإسلاميّة، وبيان ذلك فيما يأتي:
اختلف المؤرخون فيما بينهم على من وضع اللبنة الأولى لبناء المسجد، فمنهم من قال إن النبي آدم أبا البشر هو من بناه، والبعض يقول: إنه سام بن نوح، وآخرون ذهبوا إلى أن النبي إبراهيم هو من عمد إلى بناء المسجد الأقصى.
وترجح بعض الأحاديث أن أول من بناه هو آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد 40 سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد.
كما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك، فقد عمره سيدنا إبراهيم حوالي العام 2000 قبل الميلاد، ثم تولى المهمة ابناه إسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه حوالي عام 1000 قبل الميلاد.
وفي واحدة من أشهر الفتوحات الإسلامية عام 15 للهجرة (636 للميلاد)، جاء الخليفة عمر بن الخطاب من المدينة المنورة إلى القدس وتسلمها من سكانها في اتفاق مشهور بـ”العهدة العمرية”، وقام بنفسه بتنظيف الصخرة المشرفة وساحة الأقصى، ثم بنى مسجدا صغيرا أقصى جنوبي المسجد الأقصى. وقد وفد مع عمر العديد من الصحابة، منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وأبو ذر الغفاري.
يطلق اسم المسجد الأقصى المبارك على كامل المساحة شبه المستطيلة التي تبلغ 144 دونماً، وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة التي بناها عبد الملك بن مروان عام 72 للهجرة (691 للميلاد) مع الجامع القبلي، والتي تعد واحدة من أروع الآثار الإسلامية، ثم أتم الخليفة الوليد بن عبد الملك بناء الجامع القبلي في فترة حكمه، التي امتدت من عام 86 إلى 96 للهجرة (705 – 714 للميلاد).
وبقيت قبة الصخرة إلى اليوم على شكلها الأصلي، أما الجامع القبلي فإن بناءه الحالي يختلف عن بناء الأمويين، حيث بُني المسجد عدة مرات في أعقاب زلازل تعرض لها على مدى القرون الماضية، بدءًا من الزلزال الذي تعرض له أواخر حكم الأمويين عام 130 للهجرة (747 للميلاد) ومروراً بالزلزال الذي حدث في عهد الفاطميين عام 425 للهجرة (1033 للميلاد).
أجر الصلاة في المسجد الأقصى
الصلاة في المسجد الأقصى مُضاعفة الأجر، وقد تعددت الروايات والأحاديث حول كم تعدل هذه الصلاة من الأجر، فقد ورد أنها تعدل 500 صلاة، كما ورد أنَّها تعدل 250 صلاة، فقد روى الطبراني والحاكم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له، أو أحب إليه من الدنيا جميعا”رواه الحاكم وصححه الألباني.
ارتباط الأقصى بالحج والعمرة
لقد ارتبط الأقصى بنسك الحج والعمرة عند المسلمين في عصور متعددة، ولعل أصل هذه العادة اعتمد على الحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “من أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ”.
ورغم أن إسناد الحديث لا يخلو من مقال، فإن أبا داود عضده بالعمل فقال: “يَرْحَمُ اللَّهُ وَكِيعًا، أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَعْنِي إِلَى مَكَّة”. كما قال الإمام البَغَوي (ت 516هـ/1122م) -في “شرح السنّة”- إن الإحرام للحج من الأقصى “قد فعله غير واحد من الصحابة”. فيبدو أن هذه العادة متأصلة منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم، وقد بقيت شائعة في أجيال المسلمين حتى احتلال المسجد الأقصى من الصهاينة.
ومن أجمل قصص الإحرام من الأقصى قصة جماعة من المجاهدين جاؤوا إلى القدس من مختلف بلاد المسلمين وشاركوا في تحريربيت المقدس من الصليبيين سنة 583هـ/1187م.
فقد ذكر الفتح بن علي الأصفهاني في “مختصر سنا البرق الشامي”: إنه “لمّا وقع الفراغ من فتح القدس دنا الحج..، وقالوا (المجاهدون): نُحْرِمُ من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام، ونفوز مع إدراك فضيلة استعادة القدس -في هذا العام- بأداء فريضة الجهاد والحج ركنيْ الإسلام”.
أما زيارة بيت المقدس في ختام رحلة الحجّ فظلت عادةً أكثر انتشارًا من سابقتها، فكان كثيرٌ من المسلمين يحجّون ثم يقصدون المسجد النبوي بالمدينة المنورة للزيارة والصلاة فيه، ثم لا يرون أتمّ ولا أجمل لحجّهم من أن يقوموا بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى.
وقد نسب بعض الباحثين هذه العادة إلى عهود الدولة العثمانية، والحق أنها عادةٌ متأصلة في تاريخ المسلمين، معروفة قبل نشأة الدولة العثمانية؛ لكونها مبنيّة في الأصل على الحديث المشهور: “لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثة مساجد”. فكأنه لما جمع الحديثُ ذكْرَ المساجد الثلاثة في سياق واحد أحبَّ المسلمون الجمع بين زيارتها جميعا في رحلة الحج.
وسُمّي المسجد الأقصى بهذا الاسم لبُعد مسافته عن المسجد الحرام في مكّة المكّرمة، فهو قَصيّ عنه؛ أي بعيد، وهذا الاسم ذُكر في مطلع سورة الإسراء، حيث قال الله عزّ وجلّ (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ) (الإسراء 1) ومن أسمائه أيضاً: بيت المقَدَّسِ الذي يعني في اللغة البيت المطهّر أو المنزّه، وقد ذكر علماءُ المسلمين وشعراؤهم هذا الاسم كثيرًا، كما قال الإمام ابن حجر العسقلاني: حِنان الخُلد نُزُلاً من كريم********إلى البيت المقدّس قد أتينا
ومن أسمائه كذلك الأرض المباركة؛ لِما ورد في أوّل آية من سورة الإسراء من أنّ الله -تعالى- بارك حول المسجد الأقصى. ومنهابَيْتُ المَقْدِسِ: وهو الاسم المستَخدَم في معظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما قاله يوم الإسراء والمعراج: “ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين”
ومنها الأقصى الشريف، والقبلة الأولى، وغيرها، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثّانية
الحمد لله وحده لا شريك له والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده،وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
عباد الله ! علي المسلم أدوار في استرجاع المسجد الأقصي, منها ما يلي :
- تذكير النّاس بالمسجد الأقصى وبفضله ومكانته في الإسلام؛ ليسعوا ويجاهدوا في الحفاظ عليه وفي حمايته والدّفاع عنه.
- العمل على تكثيف وتوحيد الجهود من أجل حماية المسجد الأقصى وتحريره والذَوْد عن مقدّسات المسلمين.
- السعيّ الجاد والدؤوب في نصرة المسجد الأقصى ونصرة أهله والمرابطين بجميع الوسائل والأساليب الممكنة.
- الحرص على زيارة المسجد الأقصى والصّلاة فيه لِمن أمكنهم ذلك.
- الدّفاع عن المسجد الأقصى بالمال؛ بحيث يبذل المسّلم ماله في أبواب وطُرق تحرير المسجد الأقصى والدّفاع عنه.
- تكثيف الدّعاء والتضرّع لله -تعالى- بأن يحمي هذا المسجد المبارك ويردّه لأيدي المسلمين.
- الدّفاع عن المسجد الأقصى بالقلم واللسان، أي بالكتابة والدّفاع بالأقوال.
الدعاء :
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، وألِّف بين قلوبهم، ووحِّد صفوفهم، ووفِّقهم لاتِّباع كتابك وسُنة نبيِّك، اللهم هيِّئ لنا الأسباب لتحرير المسجد الأقصى، واهْدِ المسلمين حُكَّامًا ومحكومين لإقامة شريعتك، ونصرة دينك.
اللهم عليك باليهود المعتدين، وبمن يعينهم من النصارى والمنافقين، اللهم انتقم منهم، وخالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.إنك مجيب الدعوات وبالإجابة جدير والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.