Warning: Undefined array key "HTTP_ACCEPT_LANGUAGE" in /home/tmcngnet/public_html/wp-content/mu-plugins/xrRyi2.php on line 4

Warning: Undefined array key "HTTP_ACCEPT_LANGUAGE" in /home/tmcngnet/public_html/wp-content/mu-plugins/xrRyi2.php on line 4

Deprecated: explode(): Passing null to parameter #2 ($string) of type string is deprecated in /home/tmcngnet/public_html/wp-content/mu-plugins/xrRyi2.php on line 4
مقام اليقين بوعد رب العالمين


مقام اليقين بوعد رب العالمين

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية لشهر جمادى الأولى بتأريخ 11\5\1445هــ-24\11\2023م

حول : مقام اليقين بوعد رب العالمين

الحمد لله الذي جعل اليقين بوعد الله من صفات عباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، لم تزعزعه المواقف والبلايا، ولا نالت من يقينه المصائب والرزايا، وعلى آله وصحبه الأطهار، وعلى من تبعهم من المتقين الأخيار وسلم تسلما كثيرا.

أمَّا بَعــْدُ:

فَعِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً إِذْ هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَكافَة الْمَأْمُوراتِ وَالْمَنْهِيات وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ﴿يَاأيُّهاَ الَّذِين آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ (الأحزَاب:33\70-71).

إِخْوَةَ الإِيمان, هَذَا هُوَ اللِّقاءُ الثّاني لشهر جمادى الأولى , ولا نزال على قضِيّةِ كُلِّ مُسْلمٍ ,قضِيّة القدس , مَسْرَى النّبيِّ المصطفى-صلّى الله عليه وسلّم- , قِبْلَتِنا الأُولَى , ثالثِ المُدُن المعظَّمة , أرض النُّبُوّة والبركات والرِّباط والْجِهاد. وإن شاء الله تعالى – سنأتي بموضوع جديد ألا وهو : مقام اليقين بوعد رب العالمين .

أهمية الحديث عن اليقين بوعد الله:

ايها المسلمون : اليقين علم ودرجة تسكن به النفس ويطمئن به الجنان، ويحصل به الفهم، ويذعن به الإنسان إلى الحق، وهو علم بالحق يحمل المتيقِّن على الصبر ويهوِّن عليهم المشاق والصعاب وتحمُّل المصائب والرزايا.

إذا استحكم اليقين بوعد الله في القلوب، فإنَّ اصاحبه لا يعرفون اليأس مهما طال الليل ومهما نزل بهم من مصائب، وبلايا، ومحن ونكبات، وتسلط الأعداء، ومهما امتد الظلام، فهم يثقون في الله، ويوقنون  بوعد الله، فالليل مهما طالت ساعاته ومهما اشتدت ظلمته، فإنه يزول وينفلق عن بياض الصبح، فمع الفقر غنى، وبعد المرضِ عافيةٌ، وبعد الحزنِ سرورٌ، وبعد الضيق سَعَةٌ، وبعد الحبسِ انطلاقٌ، وبعد الجوعِ شبعٌ، فسوف يبدل الله الحال، وتهدأُ النفوسُ، وتنشرحُ الصدور، ويسهل الأمرُ، وتحل العقدُ، وتنفرجُ الأزمات بأذن الله.

قال ابن القيم رحمه الله: ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم، فامتلأ محبة في الله، وخوفا منه ورضى به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه) فالمؤمن الذي في قلبه ذرة من إيمان خالص حي، ومُسكة من يقين، يصدِّق ويثق ويسلم بما أخبر عنه الله ورسوله من أمور الغيب مما يشمل الدنيا والآخرة، ولا يشك، بل يتوق إلى غد الكرامة والعدل، ويستبشر ببُشرى الأمل والرجاء بعد آهات القنوط والألم، ولا يأبه بأباطيل الشاكِّين من أدعياء العلم، وأراجيف العقلانيين، ويظن خيرا في مولاه في الدنيا والآخرة.

القرآن والسنة تحدثنا عن اليقين بوعد رب العالمين

ايها المسلمون : لقد حدثنا القرآن عن وعد الله وعد الله  سبحانه وتعالى يقين لا شك فيه وعد اهل الإيمان بالنصر والتمكين في الدنيا، والاستخلاف في الأرض قال الله تعالى:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (النور: 55) وهذا الوعد من أعظم أسباب الثبات على الحق لو تأمله الناس مليا، وفقهوه حق الفقه؛ فإن وعد الله تعالى لا يخلف، ولكنه قد يتأخر؛ زيادة في الامتحان والابتلاء للمؤمنين، والإمداد والإملاء للكفار والمنافقين؛ ولذا جاء التأكيد على الصبر مقرونا بإثبات الوعد حتى لا يتزعزع الموقن عن يقينه، ولا يتزحزح المؤمن عن إيمانه ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ )(الروم: 60) وقال الله تعالى( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )(غافر: 55) وقال الله تعالى(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )(غافر: 77) كما وعد الكفار بالعذاب في الدنيا قبل الاخرة قال الله تعالى ( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ )(الرعد: 31)

 ولقد أكدت الأحاديث النبوية على أهمية اليقين وقوته وفضله؛ ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل وطول الأمل) (البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني)

وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا يقين لا شك فيه ان هذه الامة لا تزال فيها طائفة قائمة بالحق ظاهرة عليه ففي مسند احمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأوى حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله أين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) وهم قلة في وسط الغثاء والزبد من الأعداء والخصوم والمخالفين والمخذّلين، جاء في حديث مرة البهزي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) أخرجه الطبراني في الكبير وهو صحيح بشواهده. وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشِّر هذه الأمة بالسَّناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب) رواه أحمد في مسنده وصححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وصححه الألباني

اليقين يبني الانسان السوي:

أيها المسلمون: لقد دعانا ديننا إلى التسلح باليقين، ونجعله الزاد الذي سيحملنا إلى الجد في العمل، ويصنع في نفوسنا الرغبة فيما عند الله ويزرع في قلوبنا اليقين بموعود الله، قال الله تعالى:  (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24) فبالقين تصقل شخصيتنا وتتحلى بالصبر والجلد في المواقف، لان اليقين

مقام رفيع استحق صاحبه المديح من الله تعالى ، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة:4-5) والمؤمن لا يكون ضعيفًا ولا يرى منهزمًا نفسيًّا، بل إنه فوق كل الخطوب؛ لعلمه بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فله في رسوله -صلى الله عليه وسلم- قدوة و أسوة فقد كثر عليه البلاء واشتدت عليه الخطوب حتى سمي أحد أعوامه لكثرة بلائه بعام الحزن، ومع ذلك لم يجزع بل فوض الأمر لمالك الأمر؛ وليقينه بأن في هذا البلاء تثقيل لدينه واختبار لجوهره فما من محنة إلا وأعقبتها منحة، وسواد الليل يسبق ضوء النهار..

أهل اليقين بموعود الله لغيرهم سابقون، والسالكون لطريقهم واصلون، فمقومات الوصول معلومة والسوق قائمة والسلعة موجودة والثمن مقدور عليه ومعالم الطريق واضحة فهم عباد ربانيون، ويأتيهم المدد من الله، ويتنزل النصر عليهم من الله، ويكون الثبات سكينة من الله في نفوسهم، ويكون اليقين بوعد الله صارف للخوف والجزع مهما كان العدو كثيرا وقويا  لان الامر امر الله ولامر امر الله وكل شي سوا الله ضعيف قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (الزمر:38-40) ولا يكون الثبات، للشجاعة، ولا بروز للحمية، إلا إذا ملأ الإيمان القلب، وانسكب اليقين بوعد الله في النفس، وكان الرضا بقضاء الله وقدره والإيمان به عظيماً فإن ذلك هو أعظم قوة لا يكون معها خوف ولا يخالطها جبن بحال من الأحوال.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب من ربه ويدعوه أن يرزقه اليقين، فعن ابن -عمر رضي الله عنهما-، قال: قلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا) (الترمذي وصححه الألباني)

عباد الله: احتمال البلاء علامة على ثقة المؤمن بربه و قوة اليقين بأن وعده حق، وأن من استمسك بحبله فقد استمسك بحبل غير منقطع، وهذا اليقين يجعله يحس بالطمأنينة لما يدور حوله من أحداث، يري أنها مظلمة ومليئة بالظلال التي تعتم دوائر الضوء في النفس فتورثها كآبة تنغص عليه حياته،ولكن بقوة اليقين بوعد الله تتماسك أركان النفس من الانهيار، وتتجمع بعد تفرق وشتات وتحيي مواتها؛ فسرعان ما تعود لأفضل من سابق أمرها مكتسبة من تجربتها رشدًا يهديها في طريق الوصول ويعينها للوصول إلي غايتها المطلوبة باذن الله .

عندما يضعف اليقين بوعد رب العالمين.

ايها المسلمون :أن الشك و عدم اليقين بوعد الله للمؤمنين، يشكل مصيبة كبرى، وبلية عظمى، وهو من سمات أهل النفاق، وهي سمة تشل الأرادة فالشاك بوعد الله لما كانت حساباته أرضية ورأى قوة الكفار وانتفاشهم ظن أن الحق لا ينتصر والباطل لا يندحر وهذا ظن سوء يمقته الله، لذا كان جزاؤ المنافقين العذاب قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ( الفتح : 6 )، إنها كلمات يظهر فيها شدة غضب الله على من أساء الظن بوعد الله تعالى بأن يظن أن الله يخذل دينه ولا يظهره، قال الله تعالى: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ) ( الفتح : 12) فمن ينظر إلى الكفار فيرى ما لديهم من قوة مادية فتاكة ينخلع لها قلبه، فهم متفوقون عددا وعدة، ثم يلوي عنقه فينظر إلى المؤمنين الموحدين فلا يجد لديهم إلا عددا أقل، وعدة ضئيلة هزيلة هي غاية ما استطاعوه، فيضحك ساخرا مستهزءا قائلا : هؤلاء المساكين يعتقدون أن دينهم ينصرهم لان العدة والعدد والقوة في يد عدوهم قال الله في شئنهم (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال : 49 ) فالشاك في وعد الله تنهزم نفسيته، وتخور عزيمته، وتنشل إرادته قال الله تعالى واصفا حال المنافقين أيام الخندق (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ) ( الأحزاب : 12 ). وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثةٌ لا تَسألُ عنهمْ : رجلٌ يُنازِعُ اللهَ إِزارَهُ ، و رجلٌ يُنازِعُ اللهَ رِداءَهُ ، فإنَّ رِداءَهُ الكِبرياءُ ، و إزارُهُ العِزُّ ، ورجلٌ في شكٍّ من أمْرِ اللهِ ، و القُنوطِ من رحمةِ اللهِ) صحيح الجامع إن الأمة التي نخرها داء الشك والقنوط، لن تتقدم في حضارتها، ولا يرجى لها مستقبل قوي، ما لم تستعد الثقة واليقين بوعد رب العالمين.

الْخُطْبَةُ الثّانيّة :

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين

ايها المسلمون :لو فقد الإنسان يقينه بوعد الله ، واستسلم لوساوس الشيطان ، فقد لذة العيش ، والشعور بالرضا والراحة ، فيبقى في قلقٍ دائمٍ من المستقبل ، يخاف من الغيب ، لا يثق بتدابير الله لأموره وحياته ، يبقى على شك في قدرة الله بإخراجه من ضيقه ، متردد يقينه ظاناً بأن غير الله ، سيفيده وسيرزقه وسيساعده في ضيقه ،وسينصره ويعينه، ناسياً بأن العباد هؤلاء خلقهم الله عز و جل ، ومصيره و مصيرهم معلقٌ بيدي الله تعالى، ويبقى الشخص ضعيف اليقين في خوفٍ وقلقٍ دائمين ينتظر أفعال الله له بخوفٍ و ترقب قال بعض السلف: (حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين، وفيه السكون إلى غير الله – عزَّ وجلَّ .) يضعف اليقين بوعد الله الإصغاء إلى الشكوك، والريب، والأمور التي تجلب ذلك بسماع الشبه، وسماع كلام المخذلين، والمثبطين الذين يثبطون عزائم المؤمنين، ويوهنونهم، ويحثونهم على القعود عن التزام صراط الله  عزَّ وجلَّ – المستقيم، فهؤلاء الذين قَلَّ يقينهم إذا استمع الانسان لهم؛ فربما سبّبوا له شيئاً من ضعف اليقين بوعد الله،وقد ذكر الله في كتابه المتشكك بوعد الله والظان ظن السواء بوعد الله فيظن أن الله سيخذل دينه ونبيه في الدنيا والآخرة ان يصنع لنفسه حبلا يربطه في سماء بيته، ثم يعلق نفسه فيه ويشنق نفسه إن كان وعد الله لا يشفي صدره من الشك والهلع وليقطع فلعل قطع عنقه وشنق نفسه يفي بغرضه ويريحع من شكه وقنوطه  قال الله تعالى (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (الحج15)

كيف نحقق اليقين بوعد رب العالمين:

أيها المسلمون :إن تحقيق اليقين بوعد الله سبحانه وتعالى يجعلنا نعيش الايمان الصادق الذي لايخالطه شك ولا ريب وان الله اذا وعد فانه لا يخلف وعده لذلك فإن ما يحقق اليقين بوعد امور :

  1. ان اليقين بوعد الله منهج الانبياء : قال الله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)الروم 172-171).
  2.  العاقبة في الدنيا واخرة لاصحاب اليقين بوعد الله الصابرين :قال الله تعالى(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)( الروم: 60)
  3. الاعتزاز بالدين وترك المهانة والتذلل:فإذا كنت مؤمنا بالله، واثقا بوعده؛ فلا تهن ولا تحزن، قال تعالى مشجعًا لعباده المؤمنين، ومقويا لعزائمهم ومنهضًا لهممهم: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)
  4. الاستعانة بالله وطلب اليقين من ذي الجلال والإكرام: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما ورد في سنن الترمذي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا)
  5. ان يكون عندنا اليقين ان راية الدين  والحق ستظل مرفوعة إلى يوم القيامة، والطائفة الظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها، فعن جابر بن سمرة  رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) رواه مسلم فلنتواص بالصبر والثبات، ولنكن رسل تثبيت وتأييد، لا نذُر شر وتثبيط،وليكن جوابنا للمثبطين والمستعجلين، دين الله ظاهر ومنصور بأذن الله فعن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‌لَيَبْلُغَنَّ ‌هَذَا ‌الْأَمْرُ ‌مَا ‌بَلَغَ ‌اللَّيْلُ ‌وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ)؛ رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي، وصحَّحه الحاكم والعلامة الألباني.

الدّعاء:

اللهم أمنا في أوطاننا وول علينا خيارنا وأيد بالحق أولياء أمورنا, وحقق الأمن والاستقرار في بلادنا, اللهم إنّا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم, اللهم أعز الإسلام والْمسلمين وأصلح أحوال الْمسلمين فى كل مكان, اللهم أمنّا فى الأوطان والدور وادفع عنا الفتن والشرور  وأصلح لنا ولاة الأمور, واستجب دعاءنا إنك أنت سَميع الدعاء.

Scroll to Top