أسباب البركة فى الرزق وفى الحياة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثاني لشهر ربيع الآخر بتأريخ 81 ربيع الآخر 1447ه  الموافق ب‍‍‍‍ 10\10\2025م)

حول: أسباب حصول البركة فى الرزق وفى الحياة .

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَشْكُرُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ. مَن يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِي، وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ؛ فَيَا عِبَادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرًّا وَجَهْرًا، إِذْ هِيَ الغَايَةُ المَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَسَائِرِ المَأْمُورَاتِ وَالمَنْهِيَّاتِ. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21].

أيُّهَا المُسْتَمِعُونَ الكِرَامُ! لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي عَصْرِنَا الحَاضِرِ، كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَشْكُونَ ضِيقَ الرِّزْقِ وَقِلَّةَ البَرَكَةِ. وَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَكْشِفُ الغِطَاءَ عَنْ أَسْبَابِ زِيَادَةِ الأَرْزَاقِ، وَنُزُولِ وَحُلُولِ البَرَكَاتِ، دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ الأَمِينِ ﷺ، سَائِلِينَ اللهَ أَنْ يَفْتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الرِّزْقِ، وَيُوَفِّقَنَا لِمَا يُوجِبُ حُلُولَ البَرَكَةِ فِيهِ. فمن ذلك:

١تَقْوَى اللهِ

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2–3].

يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ:“يَرْزُقُهُ مِنْ جِهَةٍ لَا تَخْطُرُ بِبَالِهِ”. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ “مِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يَأْمَلُ

وَقَدْ عَرَّفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ التَّقْوَى بِأَنَّهَا:  “الخَوْفُ مِنَ الجَلِيلِ، وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيلِ، وَالرِّضَا بِالقَلِيلِ، وَالاسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ”

وَقَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ:  ” أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ، تَرْجُو ثَوَابَ اللهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ، تَخْشَى عِقَابَ اللهِ”

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : تَقْوَى اللهِ: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ”

فَالتَّقْوَى هِيَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَضَبِ اللهِ وَسَخَطِهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةً.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96].

٢كَثْرَةُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ:

قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10–12].

قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ:  دَلَّتِ الآيَةُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ يَتَنَزَّلُ بِهِ الرِّزْقُ وَالأَمْطَارُ”
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: “إِذَا تُبْتُمْ إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ كَثُرَ عَلَيْكُمُ الرِّزْقُ، وَأَسْقَاكُم مِّن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ  وَالأَرْضِ”

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَن لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ شَاكِرٌ)

٣صِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ

قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3] أَيْ كَافِيهِ، يَكْفِيهِ مَا يُؤْذِيهِ وَيَضُرُّهُ، وَيَقْضِي لَهُ حَاجَتَهُ وَمَا أَهَمَّهُ.  وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ)

أَيْ: تَخْرُجُ فِي الصَّبَاحِ خَاوِيَةَ البُطُونِ، مُتَوَكِّلَةً عَلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَمَا تَلْبَثُ أَنْ تَعُودَ شِبَاعًا قَدْ رَزَقَهَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: هَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ فِي التَّوَكُّلِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ الَّتِي يُسْتَجْلَبُ بِهَا الرِّزْقُ.

قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ (الملك: 15)
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ (الجمعة: 10)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

تَوَكَّلْتُ فِي رِزْقِي عَلَى اللَّهِ خَالِقِي *** وَأَيْقَنْتُ أَنَّ اللَّهَ لا شَكَّ رَازِقِي
وَمَا كَانَ مِنْ رِزْقِي فَلَيْسَ يَفُوتُنِي *** وَإِنْ كَانَ فِي قَاعِ البِحَارِ العَوَامِقِ
سَيَأْتِي بِهِ اللَّهُ العَظِيمُ بِمَنِّهِ *** وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنِّي اللِّسَانُ بِنَاطِقِ

٤ ـ صِلَةُ الأَرْحَامِ:
فَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَبَبًا لِسَعَةِ الرِّزْقِ، وَلِجَلْبِ البَرَكَةِ عَلَى الوَاصِلِ فِي مَالِهِ وَعِيَالِهِ، وَصِحَّتِهِ وَعُمُرِهِ.

وَقَدْ بَوَّبَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ“. وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ سَيِّدِنَا النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ) وَالأَرْحَامُ هُمُ أَقَارِبُ المَرْءِ مِنْ رَحِمِهِ وَأَنْسَابِهِ، وَصِلَتُهُمْ تَكُونُ بِزِيَارَتِهِمْ، وَالتَّلَطُّفِ مَعَهُمْ، وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَعِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ، وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي أَفْرَاحِهِمْ وَأَتْرَاحِهِمْ، كَمَا تَكُونُ بِسَدِّ حَاجَةِ المُحْتَاجِينَ مِنْهُمْ، وَإِعْطَاءِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِ المُضْطَرِّينَ.

وَقَدْ قِيلَ:

وَمَنْ يَكُ ذَا مَالٍ فَيَبْخَلْ بِمَالِهِ *** عَلَى أَهْلِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذَمَّمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ *** يَفِرْهُ، وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ

٥ ـ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَثْرَةُ الصَّدَقَاتِ:
سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الجِهَادِ، أَوْ فِي أَبْوَابِ الخَيْرِ وَالنَّفْعِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (سبأ: 39) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: “يُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا بِالبَدَلِ، وَفِي الآخِرَةِ بِالجَزَاءِ وَالثَّوَابِ”.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ” (وَهِيَ فِي البُخَارِيِّ أَيْضًا) وَمَا أَبْرَدَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ عَلَى القَلْبِ إِذَا تَيَقَّنَ بِهَا الإِنْسَانُ، وَامْتَلَأَ بِهَا قَلْبُهُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”  (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

وَهَذَا وَعْدٌ حَقٌّ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِهْلَاكُ مَالِ الْمُمْسِكِ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ فِي سُورَةِ الْقَلَمِ، وَوَقَائِعُ الدُّنْيَا شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، نَاطِقَةٌ بِهِ.

٦ ـ الْمُتَابَعَةُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ:

خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا الَّذِي زَادَتْ فِيهِ تَكَالِيفُ هَذِهِ الرِّحْلَاتِ فَزَهِدَ فِيهَا النَّاسُ، فَنُذَكِّرُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ” (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِي)

7- النِّكَاحُ بُغْيَةَ الْعِفَافِ:

أَيْ: الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِيُحَصِّنَ نَفْسَهُ مِنَ الزِّنَا؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ هَذَا مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:

“وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (النُّور: ٣٢) وَفِي الْحَدِيثِ: “ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعِفَافَ” (صَحِيحُ التِّرْمِذِي) وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “عَجَبًا لِمَنْ لَمْ يَطْلُبِ الْغِنَى فِي النِّكَاحِ، وَاللهُ يَقُولُ: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ”

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْـحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ بِنُصْرَةِ الْمَظْلُومِ، وَوَعَدَ بِالْفَرَجِ لِعِبَادِهِ الصَّابِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

وَمِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ أَيْضًا:

٨ ـ الإِكْثَارُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَتَفْرِيغُ بَعْضِ الْوَقْتِ لَهَا: وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَجْلِسَ الإِنسَانُ كُلَّ وَقْتِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، قَاعِدًا عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَحُسْنِ السَّعْيِ، بَلْ أَنْ يَقْتَطِعَ مِنْ وَقْتِهِ مَا أَمْكَنَهُ وَيُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ مَا اسْتَطَاعَ.

فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ، يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ قَلْبَكَ غِنًى، وَأَمْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تُبَاعِدْ مِنِّي فَأَمْلَأَ قَلْبَكَ فَقْرًا، وَأَمْلَأَ يَدَيْكَ شُغُلًا” (أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ)

فَاللَّهُمَّ اشْغَلْنَا بِمَا خَلَقْتَنَا لَهُ، وَلَا تُشْغِلْنَا بِمَا خَلَقْتَهُ لَنَا.

٩ ـ تَرْكُ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ: فَإِنَّهَا مُزِيلَاتُ النِّعَمِ، وَجَالِبَاتُ النِّقَمِ، وَمُذْهِبَاتُ الْبَرَكَةِ، وَمُوجِبَاتُ اللَّعْنَةِ وَالْهَلَكَةِ، وَرَافِعَاتُ الأَرْزَاقِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الآثَارِ النَّبَوِيَّةِ:
إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ فِي تَخْرِيجِهِ: حَسَنٌ لِغَيْرِهِ)

وَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: “وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” (النَّحْل: ١١٢)

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا … فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطَّهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ … فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ

١٠ ـ الشُّكْرُ وَالرِّضَا: فَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ لِلشَّاكِرِينَ بِالزِّيَادَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إ(ِبْرَاهِيمَ: ٧)  وَقَالَ سُبْحَانَهُ: “وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ” (آلِ عِمْرَانَ: ١٤٤)

وَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ بَابُ الْغِنَى الأَكْبَرِ وَالأَوْسَعِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اِرْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ” (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)

عِبَادَ اللهِ الكِرَام، هُنَاكَ افْتِرَاءٌ شَائِعٌ، صَدَرَ – فِي الحَقِيقَةِ – عَنْ رَجُلٍ سِيَاسِيٍّ فِي الوِلايَاتِ المُتَّحِدَةِ، يُقَالُ لَهُ: تِيد كْرُوز (Ted Cruz)، حَيْثُ نَشَرَ عَلَى مَنْصَّتِهِ الرَّسْمِيَّةِ x  جريان «الإِبَادَة الجَمَاعِيَّة ضِدَّ المَسِيحِيِّينَ فِي نِيجِيرِيَا منذ 2009 قَضَتْ عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ أَلْفَ شَخْصٍ مِنَ النَّصَارَى، وَدَمَّرَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ كَنِيسَةٍ، وَأَلْفَيْ مَدْرَسَةٍ تَتْبَعُ لِلمَسِيحِيِّينَ»، وَزَعَمَ أَنَّ المُسْلِمِينَ هُمْ الفَاعِلُونَ لِهَذَا الإِجْرَامِ الشَّنِيعِ. ودعى حكومته إلى التدخل في الأمر!!!

عِبَادَ اللهِ الكِرَامُ، لَا شَكَّ فِي كَذِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا إِضْلَالُ النَّاسِ وَخِدَاعُهُمْ، وَكِتْمَانُ الْحَقِّ، وَإِشْعَالُ نَارِ الْفِتَنِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْوَطَنِ الْعَزِيزِ نِيجِيرِيَا.

وَقَدْ رَدَّتِ الْحُكُومَةُ الْفِدْرَالِيَّةُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ رَدًّا صَرِيحًا وَمُنَاسِبًا؛ فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا عَلَى جُهْدٍ مَقْدُورٍ وَفِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ.

وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، عِبَادَ اللَّهِ، مَهْمَا كَانَتِ الْأَطْرَافُ الَّتِي تُرِيدُ تَشْوِيهَ وَقْعِنَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَغْفِلَ عَنِ الاسْتِبْصَارِ بِحَقِيقَةِ الْوَاقِعِ: كَمْ قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي بِلَادِنَا، خُصُوصًا فِي الْوِلاَيَاتِ الشَّمَالِيَّةِ؟ كَمْ مَسْجِدًا اُنْهَكَ عَنِ الصَّلاَةِ؟

وَقَدِ اعْتُقِلَ بَعْضُ الْمُجْرِمِينَ فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، فَانْكَشَفَ الأَمْرُ بِأَنَّهُمْ نَصَارَى، وَلَكِنَّهُمْ أَلْبَسُوا لِبَاسَ الْمُسْلِمِينَ وَزِيَّهُمْ!!

 وَلَمْ يَسْتَخْدِمِ الْمُسْلِمُونَ هَذِهِ الْحَوَادِثَ ذَرِيعَةً لِتشْنِيعِ دِينِهم، فَهَذَا مِنْ أَخْلاقِ الإِسْلَامِ، وَمِنْ مَآثِرِهِ السَّمِحَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَيَا سَادَةَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الكِرَامُ، يَجِبُ عَلَيْكُمْ الرَّدُّ عَلَى هَذِهِ الْافْتِرَاءَاتِ بِحِكْمَةٍ وَوُضُوحٍ، بِكُلِّ مَا تَمْلِكُونَ‏ مِنْ أَدِلَّةٍ وَبَيِّنَاتٍ، لِتَبْيِينِ الحَقِّ وَدَحْضِ الْزُّورِ، حَتَّى لا يَتَسَلَّطَ عَلَيْنَا كَيْدُ الأَعْدَاءِ. وَاذْكُرُوا مَا حَصَلَ فِي قَضِيَّةِ «بُوكُو حَرَامَ» كَدَرْسٍ وَعِبْرَةٍ لَا تُنْسَى.

وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ هُنَالِكَ عُنْفًا يُمَارَسُ فِي نِيجِيرِيَا، إِلاَّ أَنَّهَذَا الْعُنْفَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَدْيَانِ — مُسْلِمِينَ وَمَسِيحِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ — وَيَجِبُ الْقِطَاعُ كُلُّهُ أَنْ يَسْعَى لِقَطْعِ دَابِّ الْعُنْفِ وَمُقَاضَاةِ مُسْتَهْدِفِيهِ، أَيْنَمَا كَانُوا وَكَيْفَمَا تَظَهَّرُوا.

وَوَصْفُ الْأَمْرِ بِـ«إِبَادَةٍ جَمَاعِيَّةٍ» هُوَ ادِّعَاءٌ غَيْرُ مَوْضُوعِيٍّ، وَتَشْوِيهٌ وَافْتِرَاءٌ يُسِيءُ إِلَى كَرَامَةِ الأُمَّةِ وَحُكُومَتِهَا وَشَعْبِهَا.

أَيْنَ هُوَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَرِّعُونَ بِالتَّهَامِ الْبَاهِطَةِ عِنْدَمَا تَحْدُثُ الإِبَادَةُ الجَمَاعِيَّةُ فِي غَزَّةِ وَفِي جَمِيعِ فِلَسْطِينَ ويجري الْوَاقِعُ الْمُرُّ ؟ أَيْنَ هُمْ حِينَ تَحْدُثُ الْمَصَائِبُ الْحَقِيقِيَّةُ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ؟!

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿… يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 47)

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ مَنْ يَرْفَعُ الْبَاطِلَ فِي مَنَابِرِ الْحُكْمِ أَوِ الإِعْلَامِ، يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهُ بِالْحَقِّ وَالْبَيَانِ، لَا نَسْتَكِينُ وَلَا نَرْضَى بِالافْتِرَاءَاتِ. وَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَ بِلَادَنَا الأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، وَأَنْ يُلْهِمَ قَادَةَ الدَّوْلَةِ وَالْعُلَمَاءَ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ الْقُدْرَةَ عَلَى نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ، وَمُحَارَبَةِ الْبَاطِلِ وَالافْتِرَاءِ، وَدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنِ الأُمَّةِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الدُّعَاءُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ السَّعَةَ فِي الأَرْزَاقِ، وَالْبَرَكَةَ فِي الأَعْمَارِ وَالأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ، وَارْزُقْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَالْفَوْزَ بِجَنَّتِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ وَالضِّفَّةِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَهُمْ، وَاشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَاهُمْ. اللَّهُمَّ احْفَظْ قَطَرَ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كَيْدِ الأَعْدَاءِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ كَيْدَ الصَّهَايِنَةِ فِي نُحُورِهِمْ، وَاشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. إِنَّكَ مُجِيبُ  الدَّعَوَاتِ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

Scroll to Top