الأمانة والوفاء بالعهد

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الرابعة لشهر ذي الحجة: بتاريخ 22/12/1445هـ (28 يونيو 2024م)

الخطبة الأولى

الموضوع: من الأخلاق المحمودة: الأمانة والوفاء بالعهد

الحمد لله الذي جعل الأمانةَ والوفاءَ بِالْعهد من صفات المؤمنين ومن علامات المتَّقين الصادقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَعَدَ عَلَى الأمانةِ والوفاءِ بالعهدِ بِفَسِيحِ جَنَّاتِهِ وَنَيْلِ رِضْوَانِه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، خَيْرُ مَنْ أدَّى الأمانةَ، وَوَفَى بِالعهدِ، وبلَّغ الرِّسالة، وعبَدَ ربَّهُ حتَّى أتاهُ الْيقين، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان وسلَّمَ تسليما كثيرا.

أما بعد:

        فأوصيكم بتقوى الله العظيم -أيها المسلمون- ولُزومِ طاعته وأُحَذِّرُكُم ونفسي من مخالفة أمره ووانتهاكِ مَحارمِهِ، يقول سبحانه وتعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (سورة الحشر: 18).

         أيها الإخوة الكرام، اعلموا رحمكم الله أن الأمانة هي دليل هام بشَكْلٍ كبيرٍ على حسن خلق الفرد، وعلى الأخلاق الحميدة التي يتصف بها الإنسان، وبالتالي لها مجموعة من المواصفات التي تأتي وتندرج تحتها منها الوفاء بالعهد الذي هو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، وأدب رباني كبير، وخلق نبوي حميد، وسلوك إسلامي نبيل، ولأجل مَا لِلأمانةِ والوفاء بالعهد من أهْمِيَّةٍ  فى الإسلام سيدور موضوع خطبتنا اليوم حول: “من الأخلاق المحمودة: الأمانة والوفاء بالعهد

         أيها  الإخوة المسلمون، والأمانة فى الإسلام لها شأنٌ خطيرٌ ووقعٌ عظيمٌ، فقد عرض الله تعالى حملها على السموات والأرض والجبال فأشفقن من حملها، لأن هؤلاء المخلوقات التي ليست لها إلا طاعة كاملة لِربِّها عز وجل، يَعْلَمْنَ عقوبةَ مَنْ فَرَّطَ فى حِفْظِها وأدائها، قال مُقاتِلُ بنُ حَيَّان فى تفسير هَذِهِ الآية: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (سورة الأحزاب: 72): إِنَّ اللَّهَ حِينَ خَلَقَ خَلْقَهُ، جمَعَ بَيْنَ الإنْسِ والْجِنِّ، والسَّمواتِ والأرْضِ والْجِبالِ، فَبَدَأ بالسمواتِ فَعَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ وَهِيَ الطَّاعَةُ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ، وَلَكِنْ عَلَى الْفَضْلِ وَالْكَرَامَةِ وَالثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ … ؟ فَقُلْنَ: يَا رَبِّ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَيْسَتْ بِنَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّا لَكَ مُطِيعِينَ. ثُمَّ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى الْأَرْضِينَ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَقْبَلْنَهَا مِنِّي، وَأُعْطِيكُنَّ الْفَضْلَ وَالْكَرَامَةَ ؟ فَقُلْنَ: لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى هَذَا يَا رَبِّ وَلَا نُطِيقُ، وَلَكِنَّا لَكَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، لَا نَعْصِيكَ فِي شَيْءٍ تَأْمُرُنَا بِهِ. ثُمَّ قَرَّبَ آدَمَ فَقَالَ لَهُ: أَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَرْعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا؟ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ آدَمُ: مَا لِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا آدَمُ، إِنْ أَحْسَنْتَ وَأَطَعْتَ وَرَعَيْتَ الْأَمَانَةَ، فَلَكَ عِنْدِي الْكَرَامَةُ وَالْفَضْلُ وَحُسْنُ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ. وَإِنْ عَصَيْتَ وَلَمْ ترْعَها حَقَّ رعايتها وَأَسَأْتَ، فَإِنِّي مُعَذِّبُكَ وَمُعَاقِبُكَ وَأُنْزِلُكَ النَّارَ. قَالَ: رَضِيتُ يَا رَبِّ. وتَحمَّلها ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ حَمَّلْتُكَهَا.

 فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ} .( رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. أنظر: تفسير ابن كثير ط دار الكتب العلمية 6/432).

          إخوة الإيمان، إنَّ لِلْأمانةِ مفهومًا واسعًا فى الإسلام، ولا يقتصر مفهومها على المعاملات المالية والودائع المستودعة، ولكنه شامل لجوانب حياة الإنسان المسلم كلها. فالدين أُولىَ الأمانات وأجلها. وحفظ أمانة الدين: التصديق بأخباره ووعده ووعيده، والعمل بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والدعوة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة من أجله، وإخلاص الدين لله تعالى وصرف جميع أنواع العبادة له عز وجل، ثم حقوق العباد من الأمانات التي تجب أداؤها، فالأبناء أمانة على الوالدين، ومن أداء أمانة الأبناء على الوالدين تربيتهم تربية حسنة وتعليمهم مبادئ الإسلام، وكذلك من أداء الأمانة القيام ببر الوالدين الواجب للأباء على الأبناء، وخدمتهما والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، ومن أداء الأمانة حفظ الحقوق الزوجية بين الزوجين، بحسن المعاشرة والتناصح والتعاون بينهما. ومما يتعلق بمعاني الأمانة ألاَّ يُسْنِدَ مَنْصِبٌ إلاَّ لِصاحبِه الْحَقيقِ بِهِ، ولمن هو أهل له من أهل الخير والصلاح والاستقامة، ولأن توسيد العمل إلى غير أهله فيترتب عليه عدم استقرار المجتمع وثباته : وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)) قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)) (رواه البخاري وأحمد) “فانتظر الساعة: كناية عن انتهاء الحياة والاستقرار”. وليحذر المسؤول أن يولي زمام الأمور لمن ليس بأهل لها إما محاباة لأحد أو لأجل حصول منفعة دنيوية ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالْمُؤْمِنِينَ)) (أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس. وانظر: سبل السلام  2/666)، و عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (( مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ)) (رواه أحمد والحاكم وصححه). وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوظائف أمانات ونصح الضعفاء عن طلبها فقد سأله أبو ذر رضي الله عنه أن يستعمله فضرب بيده على منكبه زقال: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ فَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)) (رواه مسلم وأحمد). ومن أعظم الأماتة: تلك الأمانة التي أُنِيطَتْ بِالزعماء والرؤساء والقضاة والمعلمين، فالحكم العدل بين الناس أمانة فى أعناق الزعماء والرؤساءِ والقضاة، وقد أمر الله تعالي بذلك فى قوله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (سورة النساء: 58)  وتزويد الطلاب بالعلوم النافعة وتربيتهم تربية حسنة أمانةٌ فى رقِاب المعلمين التي يجب أداؤها، ومن مجالاتها -أيضا -أيها المسلمون- أنَّ عُمْرَ الإنسان أمانةٌ عنده، وهو عاء يجب أن  يَمْلَأَهُ بالْخيرِ والعملِ الصالحِ، لأن هذا العُمْرَ سوف يُسْأَلُ عنه، وفى الحديث : ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)) (رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِي، وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني)، وجَوَارِحُنا أمانةٌ فى أعناقنا: البصر والسمع والفرج، قال الله تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (سورة الإسراء: 36)، وقوله: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…} (سورة النور: 30-31)، فالأمانة خلق شامل لكل مظاهر الحياة وأداؤها سبب عظيم لدخول الجنة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (( خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ، وَأَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ )) ( حديث حسن رواه أبو داود وأحمد والطراني في المعجم الصغير).  

        أيها المستمعون الكرام، اعلموا رحمكم الله، أن الوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به، سواء كان قولا أم فعلا، ولا يَبْرأُ إلا بالوفاء به، وعندما يُخْلِفُ عن قَصْدٍ، يَخْرجُ عن نِطَاقِ الإيمانِ، ويقع فى دائرة النفاق، وعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا قَالَ: (( لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ))  حديث حسن رواه أحمد فى المسند) وعَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) (رواه أحمد فى المسند والبيهقي في السنن الصغير و إسناده صحيح على شرط مسلم). وقد أرشد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى قيمة الوفاء وضَمِنَ الجنَّةَ لِمَنْ أداهُ، و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ )) (حديث حسن لغيره رواه أحمد. وانظر: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد لصهيب عبد الجبار 4/54).

وناكث العهد -عباد الله- خَصْمٌ، ويكون خصْمُه يوم القيامة ربُّ العالمين، وعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قالَ: (( قالَ الله: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ: رجُلٌ أعطى بي  ثم غدر، ورجلٌ باعَ حُرّاً، فأكَلَ ثمَنَهُ، ورجُلٌ استأْجَرَ أجيراً، فاستوفى منهُ، ولم يُعْطِهِ أجْرَهُ)) ا(نظر: مختصر صحيح الإمام البخاري 2/73 و سنن ابن ماجه 3/510).

        أيها المسلمون، هناك أنواع الوفاء ومن أهَمِّها: أولا:  الوفاء بالعهد بين العبد وربه: قال الله تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (سورة يس:60-61) ثانيا:  الوفاء بالعهود ، وقد أمر الله تعالى بذلك فى كتابه: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (سورة الإسراء: 34) وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (سورة النحل: 91). وأثنى الله تعالى على الذين يوفون بالعهود فقال تعالى: { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} وبيَّنَ جزاءَهم: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} (سورة الرعد: 19-20 و22-23). وقال تعالى فى صفات المتقين: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (سورة البقرة: 177)،  ثالثا: الوفاء بالأجور، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ )) (حديث حسن لغيره، رواه ابن ماجه، وانظر: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد 11/412رابعا: الوفاء بالنذور، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} سورة الإنسان: 7) أي: بما ألْزَمُوا به أنفسَهم لله من النُّذور والْمُعَاهَدَات.

بارك الله لي ولكم فى القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الموضوع: المداومة على العمل الصالح بعد الحج

نحمد الله تعالى  على إحسانه وتوفيقه ونشكره على نعمه التي لا تحصى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل عليه وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

       فاتقوا الله تعالى -عباد الله- فى كل حين وتذكروا قول الحق فى كتابه الكريم: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (سورة المائدة: 27).

        أيها المسلمون، عاد الحجاج بعد المناسك المباركة، فهنيئا لهم، فاعلموا رحمكم الله أن الحج المبرور هو الذي يكون حال الحاج بعده خيرا من حاله قبله، ومن علاماته: أن يَسْتَمرّ الحاجُّ فى طاعة الله، مُدَاوِمُ عليها، فالحسنة تَجُرُّ الحسنة، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قال، كما جاء فى حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَل)) (رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده) ، وإن للمداومة آثارا عظيمة منها: أولا: اتصال القلب بالله. ثانيا: ترويض النفس على طاعة الله. ثالثا: أنها سبب لمحبة الله وولايته، وعنْ أبي هُريرةَ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ قال: مَنْ عادَى لي وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تقرَّبَ إليَّ عَبْدي بِشيءٍ أحبَّ إليَّ مِمَّا افْترضتُ عليْه، وما يزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحبَّه، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشي بِهَا، وإنْ سَأَلَني لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتعَاذَنِي لأعيذَنَّهُ)) (رواه البخاري). رابعا: النجاة من الشدائد فقد روى أحمد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ)). خامسا: المداومة سببٌ لِمَحْو الخطايا، ففى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ ” قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: ((فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا)).

عباد الله، عليكم بالمحافظة على كنز الإيمان وطاعة الرحمن فإنه طريق الفلاح والنجاح فى الدنيا والآخرة.

وأخيرًا عباد الله، نطالب الجهاتِ الْمَعْنِيَّةَ، خاصةً حكومةَ ولايةِ أَوْيَو- بإصدار الحكم الفاصل وتنفيذ العقوبة المناسِبَة حول الجراءة والجريمة الشنيئة الصادرة من قَسٍّ وأعوانه في إيسَيْيٍن، ولاية أويو، يوم العيد الأضحى المبارك الماضي، والتي أدت إلى ضرب رجل مسلم وهو جار له، وزوجتيه حتي شل الدم من رأسه ورأس واحدة من زوجتيه مع كسر إحدى رِجْلَيْ زَوْجَتَيه الحبلى، وما لهم من ذنب سوا إمتثالهم بأمر الله تعالى بذبح الأضحية يوم العيد، ولكن ادعى الْقَسُّ المجرم بأن الذبح حصل قريبا من كنيسته، ولو لم يكنِ الْمَذْبَحُ من أرض كنيسته في شيء!!

عباد الله ، فهذا تصديق لقول الله  تعالى: (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وننصح العائلة المظلومة بالصبر والمصابرة وأن أجرهم على الله فلا يظلم عنده أبدا، ثم نرشدهم إلى استخدام الطرق القانونية العاملة ببلدنا في استرداد حقوقهم، والله  ولي التوفق. وبعد هذا، لن ننسى أن نقدم الشكر والتقدير لجميع الإخوة والمؤسسات الذين قاموا لتفتيش الأمر ودعم هذه العائلة المظلومة، شكر الله سعيهم وتقبل جهودهم، فإن بهذا درس جليل في فضل وحدة الأمة الإسلامية كل حين والوحدة قوة. أقول قولي هذا وأستغفر الله عليه.                                                  

الدعاء:

نسأل الله تعالى أن يتقبل منكم عملَكم الصالح، وأن يجعل حَجّكم مبرورا، وأن يثيبكم عليه خير الثواب، وأجْزَلَه وأحسنَه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطايانا، وإسرافنا على أنفسنا، وأنت أعلم بذنوبنا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، واجعنا من أهل الجنة، ونَجِّنا من النار. برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكُفر والكافرين، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك فى نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم ألف بين قلوب المسلمين على الحق،  اللهم اجْعَلْ  لِلشَّعْبِ الْفَلَسْطِينَ النُّصْرَةَ والْعِزَّةَ والْغَلَبَةَ والقُوّة والْهَيْبَة والرُّعْبَ فى قلوب أعدائهم وأعدائنا. اللهمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ واطْلِقْ أَسْرَاهُمْ. وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع  كَرْبَهُمْ، واكْشِفْ ضُّرَّهم، اللهم انصر مُجَاهِدِيهِمْ بِقُوَّتِك َوَبِجُنُودِك يا ربَّ العالمين. اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.

Scroll to Top