بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الأولى لشهر صفر بتأريخ 7/2/1447هـ(1/8/2025م)
حول: الإكْثار مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَشُكْرِهِ نِعْمَةٌ لا تنفدُ
الخطبة الأولى
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، القائل في مُحْكَم تنزيله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152], نحمده سبحانه وتعالى ونشكره ونؤمن به ونتوكّل عليه, ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا, إنّه من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد,
فـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.
إخوة الإيمان، هَذَا هُوَ اللِّقَاءُ الأوّل في الشّهر الهجري القمري الإسلامي الجديد صفر 1447هــ, ويدور موضوع خطبتنا اليوم حول: الإكْثارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَشُكْرِهِ نِعْمَةٌ لا تنفدُ.
عباد الله، أمر الله تعالى المؤمنين بذكره، ووعد عليه أفضل الجزاء، وهو الثناء في الملأ الأعلى على مَنْ ذكره؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “اذكروني بطاعتي، أذكرْكم بمغفرتي”، وقال سعيد بن جبير: “اذكروني في النعمة والرخاء، أذكرْكم في الشدة والبلاء”، بيانه: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقال الحسن البصري رحمه الله في قوله: (فاذكروني أذكركم)، قال: اذكروني، فيما افترضت عليكم، أذكرْكم فيما أوجبت لكم على نفسي.
يكفي الذاكر لله شرفًا وفخرًا أن الله يذكره ويثني عليه عند خلقه في السماوات العلا، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة”.
أيها المؤمنون الأماجد، قد يسأل سائل ويقول: كيف نشكر الله؟
اسمع الإجابة، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، قال عبدالله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربُّه: تذكُرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
الله سبحانه يذكر مَن ذكَره، ويزيد من شكره، ويعذِّب مَن كفَر بنعمه؛ كما قال الحسن البصري وغيره.
هناك معنى عظيم لقوله تعالى:﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[آل عمران: 102].
أحد السلف يبيِّن لنا هذا المعنى، فيقول: هو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
أيها المسلمون الأفاضل، ما هو الذكر الحقيقي الذي ينبغي أن نهتم به؟
يُجيب على ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره، فيقول: إنَّ الذكر الحقيقي هو ذكر الله بالقلب، وكيف يذكره بالقلب؟ الجواب: يُنيب إلى الله، يتوكل عليه، يرجوه، يخافه، يستحضر حبه وعظمته وغير ذلك.
عباد الله، المؤمن إذا ذكر الله، ذكَره الله برحمة، لكن الكافر والظالم إذا ذكر الله دون أن يُسلم ويوحد الله، ذكره الله بعذاب؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أوحى الله إلى داود عليه السلام: قل للظلمة لا يذكروني، فإنَّ حقًّا عليَّ أن أذكُرَ من ذكرني، وإنَّ ذِكْري إياهم أن ألعنَهُم”
عباد الله، ما هو الشكر الحقيقي المطلوب؟
الشكر يكون بالقلب إقرارا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا لأمره.
واشكروا لله بالطاعة، ولا تكفروه بالمعصية، فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه، فقد كفره.
وقدَّم سبحانه الأمر بالذكر على الأمر بالشكر؛ لأن في الذكر اشتغالًا بذاته تعالى، وفي الشكر اشتغالًا بنعمته، والاشتغال بذاته أَولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته، وقوله: ﴿ولا تكْفرُون﴾ تأكيد لقوله: ﴿واشْكُروا لِي﴾.
وهذا تحذير لهذه الأمة؛ حتى لا تقع فيما وقع فيه بعضُ الأمم السابقة التي كانت آمنة مطمئنة، فكفَرتْ بِأَنْعمِ الله، فَأَذاقها اللَّهُ لباسَ الْجوع وَالْخوْف بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.
فيا أيها الأحباب الكرام في الله، ثبت في المسند والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: “والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دُبُرَ كلِّ صلاة، اللهم أعني على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك”
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أَعطَى أربعًا فقد أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتابِ الله، من أَعطَى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، ومن أَعْطَى الدُّعاء أُعطِيَ الإجابة؛ لأن الله يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾ [غافر: 60]، ومن أَعْطَى الشكر أُعطِيَ الزيادة؛ لأن الله يقول: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، ومن أَعطَى الاستغفار أُعطِيَ المغفرة؛ لأن الله يقول: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: 10].
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على مَنْ أمرَكمُ اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه. أقول قولي هذا أستغفرُ اللهَ الْعظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إلَيْهِ إنَّهُ هُو الغفور الرّحيم.
الْخُطْبَةُ الثَّانِية:
الحمد لله رب العالمين, القائل في كتابه العزيز: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾(الطارق:86/15-17), نحمده سبحانه وتعالى ونشكره ونؤمن به ونتوكّل عليه, ونصلّي ونسلِّم على خير خلق الله سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما. أمّا بعد،
فيا عباد الله، ننتهز هذه الفرصة الذهبية لدعوة إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومشارقها خاصّة, علماء الأمّة وأمرائها وعامة, أحرار العالم أن ينتبهوا إلى كيد هؤلاء الأعداء من الاحتلال الإسرائيلي وأعوانهم في ربوع العالم. ويقوموا بالمفروض على قدر طاقاتهم. والله أعلم بما عند كلّ مسلم من الطاقات. استمعوا إلى قول أحد وزراء إسرائيل بكلّ شجاعة وصراحة:
وزير إسرائيلي يدعو إلى التخلي عن الأسرى في غزة:
دعا وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، إلى الاحتلال الكامل لقطاع غزة، والتخلي عن الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، في تصريحات أثارت موجة جدل عارمة في إسرائيل.
وقال إلياهو إنه “يجب التعامل مع المختطفين كأسرى حرب والانشغال بهم فقط بعد الحسم العسكري”.
وقال الوزير الإسرائيلي خلال مقابلة يوم الأربعاء, 30/7/ 2025مع إذاعة محلية “لا أدعو إلى إنشاء مستوطنات داخل أسوار في غزة، بل إلى مدينة كبيرة ويجب أن تكون غزة يهودية، موقفي هو أنه يجب علينا احتلال غزة”.
يذكر أن إلياهو سبق أن دعا إلى محو غزة، وقال “نحن نقوم بمسح الشر.. غزة كلها ستكون يهودية”، ولم يستبعد -في تصريح له في نوفمبر 2023- “إلقاء قنبلة نووية” على غزة.
عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين تمت بشكل حضاري وإنساني (رويترز):
ردود غاضبة:
من جانبها، قالت عائلات الأسرى في إسرائيل إن تصريح إلياهو “المستفز تجاوز حتى السقف المتدني الذي وضعه الوزير لنفسه”
وأشارت في بيان تعليقا على حديث الوزير إلى “أن إلياهو يُجسّد فشلًا أخلاقيًّا وقيميًّا خطيرًا.. ولا يُمثّل إرادة الشعب الذي يطالب بعودة جميع المختطفين وإنهاء القتال”، بحسب البيان.
وقال البيان “من يتحدث بهذه الطريقة عن مختطفين يتعفّنون في أنفاق الموت التابعة لحماس منذ 663 يومًا يُضعف إسرائيل ويُقوّي حماس”.
وذكر البيان أن “أسرى الحرب هم جنود يُؤسرون على يد جيش دولة أخرى.. أما الـ50 مختطفًا ومختطفة فقد تم اختطافهم، فوق الأرض السيادية لدولة إسرائيل، في أكبر إخفاق منذ قيام الدولة”
وادعى بيان قيادة العائلات “أن 80% من الجمهور يؤيّد صفقة تؤدّي إلى إطلاق سراح جميع المختطفين”.
إخوة الإيمان, نعتقد يقينا أن جميع ما قاله هذا المجرم عدوّ الله إنّه أحلام لا تتحقق أبداً بقدرة الله عزّ وجلَّ, وغاية لا تدرك بإذن الله. ولكن أيها المسلمون الكرام, علينا العمل وعلى الله النتيجة. قد قال سبحانه وتعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة:5/64) .وقال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة:2/249) وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:3/173-174]
الدعاء:
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطايانا، وإسرافنا على أنفسنا، وأنت أعلم بذنوبنا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، واجعلنا من أهل الجنة، ونَجِّنا من النار. برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكُفر والكافرين، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك في نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم ألف بين قلوب المسلمين على الحق، اللهم اجْعَلْ لِلشَّعْبِ الْفَلَسْطِينَي النُّصْرَةَ والْعِزَّةَ والْغَلَبَةَ والقُوّة والْهَيْبَة والرُّعْبَ فى قلوب أعدائهم وأعدائنا. اللهمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ واطْلِقْ أَسْرَاهُمْ. وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع كَرْبَهُمْ، واكْشِفْ ضُّرَّهم، اللهم انصر مُجَاهِدِيهِمْ بِقُوَّتِك َوَبِجُنُودِك يا ربَّ العالمين. اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.