بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثّانية لشهر الله المحرّم بتأريخ 9/1/1447هـــــ-4/7/2025م
حول: الهجرة النَّبويّة وأثَرُهَا فِي بناء الأمّة
____________________________________________________
الْحَمْدُ للهِ مُدَبِّرِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوامِ , وَمُصَرِّفِ اللَّيَالِي وَالْأيَّام، الَّذِي جَعَلَ الْهِجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ الشَّريفَةَ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ انْطِلَاقَةً جَدِيدَةً لِبِنَاءِ دَوْلَةِ الْإِسْلامِ، وَفاتِحَةَ خَيْرٍ وَنَصْرٍ وَبرَكَةٍ عَلَى الْإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ ؛ نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وتعالى وَنَشْكُرُهُ , ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْديه , وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنَا ؛ إنَّهُ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خَيْرَ مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَهَاجَرَ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اللهم صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَكُلِّ مَنْ نَهَجَ مَنْهَجَهُ وَاقْتَفَى آثَارَهُ وَسَلَكَ مَسْلَكَهُ إِلَى يَوْمِ الْجَزَاءِ الأَوْفَى.
أما بعد,
فيا عبادَ اللهِ أوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ عَزَّ وجلَّ طِبقَا لِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:3/102].
أيُّهَا الْمُسلمُونَ الْكِرامُ, هَذَا هُوَ اللِّقَاءُ الثّانِي فِي شَهْرِ اللهِ الْمُحرَّم, وَإِنَّ مَوْضُوعَ خُطْبِتِنَا يَتَرَكَّزُ عَلَى: الهجرة النبويّة وأثرُها في بناء الأمّة.
تعريف الْهجرة : لغةً وَشَرْعاً :
الْهجرة : لُغَةً : الْخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أُخْرَى .وَانْتِقَالُ الأَفْرَادِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرِ سَعْياً وَرَاءَ الرِّزْقِ . {معجم الْوسيط}. والْهِجْرَةُ : شَرْعاً : خُرُوجُ رَسُولِ اللهِ –صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ الْمُهاجِرِين-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِين- مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَة إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ لِشِدَّةِ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ وَتَنْفِيذاً لأَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى.
أوّلًا-رحلة بناء أمة اصطفاها الله تعالى لتغيير مجرى التاريخ:
إخْوَةَ الْإيمان, فإن الهجرة النبوية المشرفة هي رحلة بناءِ أمةٍ انتقلت من ضعف إلى قوة، ومن خوف إلى أمن، ومن شتات إلى وحدة… هي رحلة بناء أمة اصطفاها الله تعالى لتغيير مجرى التاريخ، يقودها أعظم قائد في التاريخ، وخير نبي في الوجود صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ثانياً-إعلان ولادة الأمة القوية المنيعة التي ستقود العالم:
والهجرة النبوية المشرفة إعلان ولادة الأمة القوية المنيعة التي ستقود العالم خلال أعوام قليلة بسواعد رجالٍ أخلصوا لله تعالى وشمروا في بناء وطنهم لتحقيق أمجاده، وقد أدرك الصحابة رضي الله تعالى عنهم هذه المعاني العظيمة لرحلة الهجرة المشرّفة، فكانت مبتدأ تأريخهم لجميع أحداث الأمة، وبهذه المعاني الجليلة، تُعلمنا الهجرةُ المشرفة الثقةَ بوعد الله تعالى لعباده الصادقين المخلصين، وأن الله تعالى متمُّ نورِه ومنفذ وعده، فهي بشارةٌ لأهلنا في فلسطين، بأن عاقبة صبرهم ورباطهم نصر بإذن الله تعالى، إذ كانت رحلة ذهاب لأجل العودة، ولكنها عودة الفاتحين المنتصرين المحررين. والهجرة واعظة لنا أن نحافظ على قوة أردننا ومنعته، وأن نقف صفاً واحداً في مواجهة أي خطر يُهدده.
ثالِثاً-بناء الوطن القوي ودولة المؤسسات:
فيرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهم مقاصد الهجرة بناء الوطن القوي ودولة المؤسسات، وأن بناء الأمة القوية ينطلق من بناء مؤسسات فاعلة تنهض بتطلعات الوطن، وتستشرف مستقبله، وتلبي طموحات أبنائه.
رابعاً: بناء المسجد الذي اعتنى ببناء أركان العقيدة وصياغة الهوية الدينية:
فمع وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بنى المسجد الذي اعتنى ببناء أركان العقيدة وصياغة الهوية الدينية والتعليم والإعلام والقضاء والشورى والرأي والحكم… بنى صلى الله عليه وسلم المسجد ليحوي هذه المؤسسات الفاعلة الناظمة للمجتمع المرسية لقيمه الناهضة بمقاصده.
خَامِساً-تكوين اقتصادها القوي المستقل:
كما نتعلم من الهجرة النبوية المشرفة، أن مِن أركان الأمة القوية والأوطان المنيعة والدول الراسخة أن يكون لها اقتصادها القوي المستقل؛ ليكون هذا الاستقلال حصناً في وجه أي تدخل في الإرادة السياسية أو الهوية الثقافية من قبل أعدائها؛ لذلك كان من أول أعمال النبي صلى الله عليه وسلم إنشاء سوق مستقل للمسلمين، ليكسر احتكار اليهود للسوق والمال؛ إذ كانوا يعملون على السيطرة على الناحية الاقتصادية لنشر الفتن والبغضاء بين فئات المجتمع تمكيناً لوجودهم.
سَادِساً-صياغة وثيقةٍ (أي دستورٍ) يبين حقوق وواجبات الدولة والأفراد:
وصاغ صلى الله عليه وسلم الوثيقة التي تمثل -في المصطلح المعاصر- دستوراً يبين حقوق وواجبات الدولة والأفراد من حماية وصيانة، ويبين معاني المواطنة ووجوب سيادة القانون.
سَابِعاً-القيام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتحل معاني الأمة والرابطة الدينية مكان القيم الجاهلية التي اعتادها العرب من التفاخر السلبي بالآباء والقبائل حتى قال قائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
لتحل هذه الرابطة المشكلة لهذه الأمة القائمة على مبدأ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وليكون الشعار: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
ختاماً نسأل الله تعالى أن يكون هذا العام الهجري الجديد عام خير وبركة على الأمّة الإسلامية كافّة. وأقول قولي هذا أستغفر الله العظيم لي ولكُمْ وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, القائل في محكم تنزيله: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين” (التوبة:9/36), نحمده سبحانه وتعالى ثمّ صَلاةً وسلاماَ على خير خلق الله سيّدنا ومولانا محمّدٍ وعلى آله وصحبه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين. أمّا بعد,
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّم، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ”. (رواه مسلم, 1163)
ففي هذا الحديث يُرغِّبُ النبي صلى الله عليه وسلم الأمة في الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم، حيث وصفَهُ بأنه أفضل الصيام بعد الفريضة، ووصْفُهُ بذلك يقتضي أفضليته على غيره، وتقديمه على ما سواه من صيام التطوع.
وفي تخصيص هذا الشهر بالصيام سِرٌّ بديع نبَّه عليه الحافظ ابن رجب رحمه الله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمَّى المحرَّم شهر الله، وإضافته إلى الله تدلُّ على شرفه وفضله، والصيام من بين سائر الأعمال مضافاً إلى الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّه لي وأَنا أَجْزي بِهِ” (رواه البخاري, 1151 ), واللفظ له، ومسلم,5927 ).
بِه…» ، فلمَّا كان هذا الشهر -وهو محرَّم- مختصاً بإضافته إلى الله، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف
إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام.
فيقول جابر بن سمرة رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عاشوراء، وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ” ولَمَّا سُئل صلى الله عليه وسلم عن ثواب صوم يوم عاشوراء وأجره قال: “يُكَفِّرُ السَّنَةَ” وَفِي رِوَيَةٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ” (رواه مسلم, 1162).
إخْوةَ الإيمان, قد كُنَّا فِي صَمِيمِ صِيام ثمانية أيّام متواليات للمتسابقين بالخيرات, من الخميس إلى الخميس. والخميس الأوّل, أمس, ثامن شهر اللهِ المحرّم, والجُمعة يوم تاسوعاء والسبت يوم عاشوراء و الأحد اليوم الحادي عشر من المحرّم ويوم الإثنين, الثاني عشر, يوم صيام التطوّع المعتاد, والثلاثاء إلى الخميس الثاني, أيام البيض الثلاثة المعتادة , 13, 14 و15. “وَفِي ذَلِكَ فليتنافَسِ المتنافِسُونَ” (المطففين:26).
وأخيراً, لا بد من اهتمام بأمر إخواننا في غزَة ولا بد من متابعة أحداث أرض فلسطين وخاصّة غزّة العزّة:
حماس: ندرس مقترحات الوسطاء لإنهاء العدوان وإغاثة شعبنا في غزة
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها تبذل جهودا مكثفة عبر الإخوة الوسطاء لـ”جسر الهوة” بين الأطراف المعنية، بهدف التوصل إلى اتفاق إطار يمهد لبدء جولة مفاوضات جادة.
وأكدت الحركة في تصريح صحفي، اليوم الأربعاء، أنها تتعامل بمسؤولية عالية، وتجري مشاورات وطنية لمناقشة مقترحات الوسطاء (مصر وقطر)، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن إنهاء العدوان، وتحقيق الانسحاب، وتوفير الإغاثة العاجلة لشعب قطاع غزة.
وادعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، أن إسرائيل قبلت “الشروط اللازمة”، لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوما بقطاع غزة، معربا عن أمله في أن توافق عليها حركة (حماس).
ومرارا أعلنت (حماس) استعدادها لإطلاق سراح الأسرى مقابل إنهاء الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتهرب بطرح شروط جديدة، ويرغب فقط بصفقات جزئية تضمن استمرار الحرب.
قال نتنياهو: (حماس) لن تبقى في غزة
وفي المقابل، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حركة (حماس) لن تبقى في غزة، مشددا على أنه “لن تكون هناك حماسستان.”
وأكد نتنياهو، في تصريحات نقلتها وكالة “أسوشيتد برس”، أن “إسرائيل ستعمل على تحرير المخطوفين وهزيمة حماس واستئصالها من القطاع”
كما أعلن نتنياهو عن خطة لربط الغرب بآسيا والشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، مستفيدا من موارد الطاقة كافة في المنطقة، على حد وصفه.
عِبادَ الله, إنّ أحلام نتنياهو وأعونه نحو إخواننا في فلسطين وفي العالم الإسلامي عامة أحلام لن تتحقّق بإذن اللهِ عَزَّ وجلّ وغاياته لن تدرك أبداً بقدرة الله تعالى, بجاه قوله تعالى: “وإنّ جُندَنَا لَهُمُ الْغالِبُون, وَكَانَ حقّاً عَلَيْنَ نَصرُ المُؤمنين”
الدعاء:
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطايانا، وإسرافنا على أنفسنا، وأنت أعلم بذنوبنا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، واجعلنا من أهل الجنة، ونَجِّنا من النار. برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكُفر والكافرين، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك في نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم ألف بين قلوب المسلمين على الحق، اللهم اجْعَلْ لِلشَّعْبِ الْفَلَسْطِينَي النُّصْرَةَ والْعِزَّةَ والْغَلَبَةَ والقُوّة والْهَيْبَة والرُّعْبَ فى قلوب أعدائهم وأعدائنا. اللهمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ واطْلِقْ أَسْرَاهُمْ. وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع كَرْبَهُمْ، واكْشِفْ ضُّرَّهم، اللهم انصر مُجَاهِدِيهِمْ بِقُوَّتِك َوَبِجُنُودِك يا ربَّ العالمين. اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.