بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثالثة لشهر رمضان بتأريخ 21 /9/ 1446ه (21/3/ 2025)
الموضوع: خطورة الإشراك بالله سبحانه وتعالى
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد…
فإن خير ما يوصي به المرءُ نفسَه هو تقوى الله عزّ وجلّ، فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي، ومُحَقِّرات الذنوب، واعملوا لجنة عرضُها السماواتُ والأرضُ، لا يظمأ فيها أحد ولا يضحى، ولا يجوع فيها ولا يعرى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، والعاقبة للتقوى.
أيها الناس : اعلموا رحمكم الله أن أوجب الواجبات على كل مسلم ومسلمة معرفة التوحيد والتمسك به ، ومعرفة الشرك والحذر والخلاص منه . فلا يستقيم توحيد العبد إلا بمعرفة الشرك والتبرؤِ منه .
طريق الخلاص من الشرك يا عباد الله العلم بخطره ومعناه ، والعلم بوسائله وذرائعه واجتناب ذلك كله. قال الله تعالى:(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيق (الحج:30- 31
يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) متفق عليه .
عباد الله : لقد علق الله فوزنا بالجنة ونجاتنا من النار بموتنا سالمين من الشرك ، ففي صحيح مسلم جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فقال عليه الصلاة والسلام 🙁 مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ )
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( جاءني جبريل فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ) .
أيها المسلمون : حق الله الأعظم على العباد ( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ” وحقهم عليه فضلاً منه وكرما : أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ) .
لذا … كان الشرك أظلم الظلم ، وأعظم الذنوب ، وأكبر الكبائر ، قيل يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ متفق عليه ، لأنه صرف خالص حق الله ـ الذي ما خلق الخلق إلا لأجله ـ لغيره . ولأنه تسوية للمخلوقين الضعيفين العاجزين وتشبيه لهم بالخالق العظيم.
قال الرجل الصالح لقمان لابنه وهو يعظه: ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (لقمان: 13
وسيقول المشركون يوم الدين لمن كانوا يشركون بهم ( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، وَما أَضَلَّنا إِلَاّ الْمُجْرِمُونَ (الشعراء:97-99
ولأجل ما تضمنه الشرك من انتقاص الملك العلام ذي الجلال والإكرام ، حكم الله بأن الشرك لا يُغفر إن مات الإنسان عليه وهو لم يتب منه ، قال الله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء :48 وقال جل جلاله : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) المائدة: 72
والشرك والمشركون نجس (إنما المشركون نجس (التوبة:28 ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (الحج: 30
الشرك عباد الله افتراء على الله عظيم (ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً (النساء: 48
الشرك ضلال بعيد : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً ) 116
وضرب الله للمشرك مثلاً في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى فقال: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ ) الحج:31
وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاء:( إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا تَوَفَّتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ وَصَعِدُوا بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا تُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بَلْ تُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا مِنْ هُنَاكَ)، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ
ولتعظيم جريمة الشرك أوحى الله إلى أعظم الناس منزلة وأعلاهم درجة عنده: أنبيائه ورسله ـ بأن الشرك محبط ومبطل لأعمالهم كلها إن هم وقعوا فيه ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . بل الله فاعبد وكن من الشاكرين (الزمر: 65-66
وقال: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ ) الْأَنْعَامِ: 88
لذا جاء الأنبياء كلهم بالنهي عن الشرك والتحذير منه ، مع الدعوة للتوحيد 🙁 وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل: 36
وقال الله لنبيه : (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (الرعد: 36 وأمره أن يتبرأ من شركهم 🙁 قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (الأنعام: 19 وقال: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (فصلت: 6
أوشكت السموات بأفلاكها ونظامها ، والجبال الراسيات بشموخها ، والأرض بما فيها أوشكت أن يختل نظامها وتهتز أركانها بسبب الشرك بالله العظيم 🙁 تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (مريم
فيا عباد الله : خافوا الشرك على أنفسكم وعلى بنيكم فقد خافه إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام فنادى ربه) :وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (إبراهيم 35: ومن يأمن البلاء بالشرك على نفسه بعد إبراهيم ؟
لقد خافه عليكم وعلى أمته بل وعلى أصحابه سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال : الرياء ، يقول الله تعالى يوم القيامة إذ جازى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) حديث حسن أخرجه أحمد.
بل خافه صلى الله عليه وسلم علينا أشد من خوفه علينا من فتنة الدجال فقال عليه الصلاة والسلام : (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ) أخرجه أحمد وابن ماجه بسند حسن .
ومما يخيف العبد من الشرك أنه شديد الخفاء فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا) حديث صحيح أخرجه أبو يعلى .
وإن مما يذهبه ويمحوه ما علَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق بأن يقول كل يوم ثلاث مرات: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلم) حديث حسن
عباد الله : هل يبقى عذر لمن وقع في الشرك بعد هذه التحذيرات الربانية البليغة في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه تنزيل من حكيم حميد ؟ فاتقوا الشرك واحذروه وتعوذوا بالله منه فإنه تعالى خير معاذ.
بارك الله لي ولكم …….
الخطبة الثانية
إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون،
في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها شعبنا في فلسطين، نجد أنفسنا أمام جريمة إسرائيلية مروعة. قصف إسرائيل لغزة بعد خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار في اليوم الأول أدى إلى مقتل حوالي خمسمائة شخص. ولا تزال تفعل منذ بداية هذا الأسبوع على مرأى ومسمع العالم الصمّ العمي.
هذه الجريمة لا يمكن أن تمر دون أن نرفع أصواتنا في الدعاء والغضب. فلندعو لشعب فلسطين عامة وغزة خاصة بأن يرفع الله عنهم هذا البلاء ويجعل لهم من كل ضيق مخرجاً.
ولكن الدعاء وحده ليس كافياً، فلنقدم المساعدات الإنسانية، ولنشر التوعية حول ما يحدث في فلسطين، ولنمارس الضغط الاقصادي والسياسي والاجتماعي كل حسب طاقته ومستواه لوقف هذا العدوان.
أيها المسلمون، لا بد أن نكون مع شعب فلسطين في هذه الأوقات الصعبة، ونظهر التضامن الإنساني معهم. فإنما المؤمنون إخوة.
اللهم إخواننا في فلسطين، وانصرهم في غزة نصرا عزيزا وافتح لهم قتحا مبينا، وارفع عنهم هذا البلاء، واجعل لهم من كل ضيق مخرجاً. اللهم ارحم الضحايا، واغفر لهم، وارفع درجاتهم، واجمعهم مع الصالحين. اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وبارك لنا في رمضان وأعنا على إتمامه على الوجه الذي يرضيك عنا ووفقنا لقيام ليلة القدر إسمانا واحتسابا وأعتق رقابنا من النار يا أرحم الراحمين، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .