فضل الله وسعة مغفرته ورحمته

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الْخُطْبة الأولى لشهر صفر بتأريخ 18/2/1446هــــ-23/8/2024م

حول:فضل الله وسعة مغفرته ورحمته

الخطبة الأولى

الحمد لله جعل الحمد مفتاحًا لذكره، وجعل الشكر سببًا للمزيد من فضله، الحمد لله الرحيم الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل القرآن هدًى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد؛

عباد الله الكرام ! اتصف الله بالرحمة فهو الرحيم في أفعاله، الرحمن في ذاته، قضى وكتب على نفسه الرحمة لعباده؛ فقال تعالى: ” وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” [الأنعام: 54)

وحتى يبقى العباد على طمع في رحمة الله؛ فقد بشرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: “لما قضى الله الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي” ، فلنا من الله مهلة وفسحة، ينتظر الله عبده حتى يتوب ويرجع، فيجد الله غفارًا للذنوب، رحيمًا بستر العيوب، يحب المذنب بعدما يتوب ويقبل منه العذر، عظُم الذنب أو صغر ، ولذلك تدور خطبتنا اليوم حول فضل الله وسعة مغفرته ورحمته.

أيها المسلمون: لقد أمر الله -عز وجل- نبيه محمدا -صلى الله وعليه وسلم- أن يخبر العالم أجمع بأنه غفور رحيم, فقال تعالى: “نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”(الحجر: 49)، بل نادى ربّنا -جلّ وعلا- كلَّ المجرمين الذين تمادوا في الذنوب والمعاصي وأسرفوا على أنفسهم ناداهم نداءً خاصا بأن لا يقنطوا من رحمته، فخاطبهم الله بـ” يا عبادي” تأليفًا لقلوبهم وتأنيسًا لأرواحهم، فقال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر:53)

أيها المستمعون الكرام: إن كثيرا من الناس ما فهموا معنى رحمة الله، فلذلك تمادوا في المعاصي بحجة أن الله سيغفر الذنوب، وما علموا بأن الله -جل وعلا- قد اشترط لنيل رحمته قائلا: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ”(الأعراف :156-157)

عباد الله اعلموا أنّ برحمته أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ويسر على عباده، وبعث فيهم محمدا -صلى الله عليه وسلم-، علمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرّفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا

ومن رحمته جل وعلا: أن سهّل علينا التكاليف الشرعية، فأسهلُ الأعمالِ تدخلك في رحمته، ألم يغفرِ اللهُ لزانية لأنها سقت كلبًا كاد يموت من العطش؟! ألم يدخلِ اللهُ الجنة رجلا أزال غصن شوك من طريق الناس؟! أعطانا الكفارات ليَغفر لنا، وأرشدنا إلى أسهل الأدعية والتسبيحات التي إذا تلفظنا بها ثقلت موازيننا وغُفرت ذنوبنا ولو كانت مثل زبد البحر.

أمرنا سبحانه بسؤاله ليعطينا، بل أعطانا أعظم العطايا بلا سؤال، ووهب لنا نعمه ظاهرة وباطنة لم يؤيسنا ربنا من رحمته.

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله وعليه وسلم- يقول: “قال الله يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”

عباد الله: إنّ رحمة الله تُستجلب بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله وعليه وسلم-، والاستقامة على أمر الإسلام: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ“(آل عمران:132) كما جالبات رحمة الله: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:  “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ“(التوبة:71)

فمن أعظم من الله جودا وكرما؟! يبسط يده سبحانه بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فمنْ أرحم من الله -عز وجل ؟ !-

ألم تروا -يا عباد الله- إلى من قتل مائة نفس كيف قبله الله وتاب عليه؛ لأنه أقبل إلى الله، يريد أن يتوب، فأسرع اللهُ إليه بالتوبة والقبول.ن.

ومن رحمته جل وعلا بعباده يوم القيامة أيضا: ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله وعليه وسلم- يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ, فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ, حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا, وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ, فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ, وَأَمَّا الْكَفاِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ”(رواه البخاري)  نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا برحمة يغنينا بها عن رحمة ما سواه.

الخطبة الثّانية

الحمد لله الغفور الرحيم القائل في محكم تنزيله : “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” (الزخرف:32)

عباد الله ! فإنّ مما تُستمطَر به الرحمات في الدنيا والآخرة: رحمة الضعفاء وذوي الحاجات، إغاثة الملهوف، وكفالة اليتيم، والقيام على الأرملة، وسدّ حاجة المساكين، والعطف على الفقراء، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله وعليه وسلم-: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء”، وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله وعليه وسلم-: “لا يرحمُ الله من لا يرحم الناس”

فإنّ ما يحدث اليوم في مجال التحدّي الاقتصادي وتسلط الأغنياء على الفقراء والأقوياء على الضّعفاء يتطلب منّا أن يرحم بعضنا بعضا.

ولقد جاء نموذج حيّ من حياة الرّسول لرحمته للأمة حتي لمعانديه حتّى سمّاه تعالى رؤوفا رحيما : ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالـمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ” (التوبة :128) وعلى ذلك ربّى أصحابه الكرام حتّى يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فهم جميعا رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا.  فما بالنا المدّعين باتباعهم؟

عباد الله الكرام، هناك إرتباط متين بين الموضوع نحن بصدده وقضية الفلسطين، إخوانكم في غزة العزة الصامدة وفلسطين قاطبة بأمس حاجة إلى أنواع من الرحمات والمساعدات لأن الأوضاع عندهم لم تزل تحت الضربات النارية من الجيش الصهيوني، وقد أجلاهم من جديد من بواقي مدنهم، مما يشير إلى توسع العمليات البرية للجيش، آلاف شهداء، وآلاف جرحى، وألاف أخرى مفقودون، والأطفال الأيتام يبكون في الشوارع بلا مأوى ولا مسكن ولا طعام ولا دواء! لذلك عباد الله الكرام شَمِّرُوا، وبَادِرُوا يرحمكم الله، أَسْعِدُوهم تَسْعَدُون في الدارين ولا تنسوهم في صالح دعائكم ليلا ونهارا،

أقول قولي هذا أستغفر الله عليه لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الدعاء: اللّهمّ إنّا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تكشِف الكُروبَ عن المسلمين في غزة، اللهم اكشِف الكربَ والكُروبَ والعقوبات عن المسلمين في غزة وساءر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللّهم انصُرهم على من ظلمَهم إنك على كل شيء قدير، يا ذا الجلال والإكرام. اللّهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ بلادَنا من كل شرٍّ ومكروهٍ يا رب العالمين. اللّهم اغفِر لنا ولوالدِينا، اللّهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين، ونوِّر عليهم قبورَهم يا أرحم الراحمين. وصلِّ  اللهمّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد.  

Scroll to Top