Deprecated: Function WP_Dependencies->add_data() was called with an argument that is deprecated since version 6.9.0! IE conditional comments are ignored by all supported browsers. in /home/tmcngnet/public_html/wp-includes/functions.php on line 6131

فقه الاختلاف وآدابه في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثالثة لشهر جمادى الثانية : بتاريخ 22/6/1447هـ (12 ديسمبر 2025م)

                             حول: فقه الاختلاف وآدابه فى الإسلام                    

الحمد لله رب العالمين، بَايَنَ بين خَلْقِه، وجعلَهُم صُنُوفًا  وألْوانًا وشُعوبًا وأجناسًا، ويقول جل جلاله: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (سورة الروم: 22). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله-  ونفسي بتقوى الله عز وجل، ولُزُومِ طاعَتِه وإيَّاكُمْ ومُخالَفَةِ أمْرِه ونَهْيِهِ، واتَّعِظُوا مِنْ قوله تعالى:  {يَـٰٓأَيُّهَا ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌ٱتَّقُواْ ‌ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٍ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (سورة الحشر 18).

أيها الإخوة المسلمون، لقد اقتضت سنة الله سبحانه وتعالى عندما خلق البشر أن تختلف أفكارُهم وآمالُهُمْ وطموحاتُهم وأنماطُ حياتِهمْ ومستوى مَعِيشَتِهِمْ، بل حتىَّ فى قدراتهم الفكرية والعقلية والجسمية، ويختلفون أيضا فى ذوقياتهم وطعامهم وملابسهم وصورهم وألسنتهم، بل حتى على مستوى أصابع الإنسان وبنانه، فلا يوجد إنسانٌ على وجه الأرض بصامَتُه تُطابِقُ أحَدًا من الناس ولو كان أخاه لأمه وأبيه،  وإن الله تعالى قادر أن يجعل الناسَ على قلبِ رجلٍ واحدٍ، لأنه سبحانه وتعالى لا يُعْجِزُه شئٌ. { ‌وَلَوۡ ‌شَآءَ ‌رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً} (سورة هود: 118). فهذا الاختلاف ليس فى البشر فقط ولكن فى النبات، والحيوان، وفى كل المخلوقات، ويدل هذا التبايُن  على عظيم صُنْعِ الله تعالى، وقُدْرتِه الخارقة. ولهذا كان سِرُّ الله  سبحانه وتعالى فى الحياة والخلْقِ وجودَ هذا التَّنوُّعِ الذي جعلهُ فى الحياة قدْرَا، وكتبه فى الدين شرعا، فالناس يختلفون وتتباين وِجْهاتُ نَظَرِهِمْ وأفكارِهم. قال تعالى: { ‌وَلَوۡ ‌شَآءَ ‌رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ } (سورة هود: 118-119). وقوله: { لِكُلٍّ ‌جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (سورة المائدة: 48).

       فالاختلاف -أيها المسلمون – نوعان: ١ – اختلافُ تنوُّعٍ وتَكَامُلٍ. ٢ – واختلاف تَضَادٍ وتنازُعٍ. فأمَّا اختلاف التنوعِ والتكامُلِ فَهُو الاخْتلافُ المحمود، والذي ينبغي أن يُحْسَنَ التَّعَامُلُ مَعَهُ، وهو ذلك الاختلاف الذي تَتَنَوَّعُ فيه الآراءُ والأفكارُ والْمُقْتَرَحَاتُ والتَّصَوُّرَاتُ فى فروع الشريعة، وجوانب الحياة، والعلاقات والمعاملات، دون أن يَنْتِجَ عن ذلك بغضاءُ، ولا شحْناءُ، ولا عداوةُ، ولا قطيعةُ، ولا اسْتِبْدَادُ بِالرأْيِ، وهو ذلك الاختلاف الذي يقُودُ إلى النَّجاح، ويًحَقِّقُ الأهدافَ، وتُثْمِرُ عنه الإنْجَازاتُ، ويَبْحثُ فيه الناسُ عَنِ اْلأصْوَبِ والأفضلِ من الآراء والأفكار والمقترحات، والاختلاف المحمود هو الذي لا يفسد لِلْوُدِّ، ويسمع فيه كل طرف من الآخر، وتُحْفَظُ فيه الْحُقُوقُ، وتُصَانُ فيه الأعراضُ. وهذا الاختلاف سنةٌ ربّانِيَّةٌ. قال الله تعالى: { يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ‌وَجَعَلۡنَٰكُمۡ ‌شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (سورة الحجرات:13). وقوله: { وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (سورة الروم: 22). وهو آية من آيات الله تعالى فى الكون، قال الله تعالى: { وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٍ مُّتَجَٰوِرَٰتٍ وَجَنَّـٰتٍ مِّنۡ أَعۡنَٰبٍ وَزَرۡعٍ وَنَخِيلٍ صِنۡوَانٍ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٍ يُسۡقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٍ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ} (سورة الرعد: 4).

        أيها المسلمون، إنَّ هناك نماذجا بارزة فى حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى الاختلاف، ومن أبرز الأمثلة لهذا الاختلاف المحمود: اختلاف داود وابنه سليمان عليهما السلام فى حكم الغنم إذ نفشت فى زرع القوم، وأشار القرآن إلى أن الصواب كان مع الابن  ولكنه سبحانه وتعالى أثنى على الاثنين جميعا فقال:  {وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ * فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمًا وَعِلۡمًا } سورة الأنبياء: 78-79) . وصح فى الحديث اختصام ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فى مصير الرجل الذى قتل مئة نفس، ثم خرج تائبا إلى القرية الصالحة، ومات فى الطريق، أيُحْكَمُ لهُ بِحُكْمِ الْقَريةِ الظالمة التي عاش عمرُه فيه، وقتل من قتل، أم يُحْكَمُ له بِحُكْمِ القرية الخيْرة التى كانتْ وجهتُه إليها، وبعبارة أخرى: أيُحْكَمُ له بِعَمَلِه أم بِنِيَّتِه؟ وبعمله حكَم ملائكةُ العذاب، وبنيته حكَم ملائكةُ الرحمة، وقد بعث الله ملكا يَحْكُم بينهم، فحكم لملائكة الرحمة. وهذا الاختلاف قد وقع بين أكرم الخلق على الله من الملائكة الكرام والأنبياء العِظام، لِاخْتلافِ زوايا الرُّؤية، وَوِجْهَات النَّظَرِ، واتِّساعِ العلم وضِيقهِ، فكيف نطمع أن نَمْحُو الخلافَ بين غيرهم مِمَّنْ لا عِصْمَةً لَهُمْ، وليس فيهم مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نبيٌّ مُكْرَمٌ؟ ثُمَّ لقد رأيْنا ما حَدَثَ من الصحابة فى بني قُرَيْظة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يُصَلِّيَنَّ أحدُكُم الْعَصْرَ إلَّا فِى بَنِي قُرَيْظَة، فَفَهِمَ بَعْضُ الصحابة أنهم لا يجوز لهم صلاة العصر إلاَّ فى بني قريظة والْتَزَمُوا بِنَصِّ الْحديثِ، والبعضُ الآخَرُ فهِمَ أنَّ الرسولَ يَسْتَعْجِلُهُمْ فصلُّوا فى الطريق، فأقرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كِلاَ الْفريقَيْنِ.

أما النوع الثاني: فهو اختلاف التضاد والتنازع وهو اختلاف مذموم لأنه يؤدي إلى التفرق والتنازع بين الناس ويقطع أواصر المحبة والمودة بين الجميع، ولقد حذر -النبي صلى الله عليه وسلم- من الاختلاف المذموم وبين سبيل النجاة من ذلك، بقوله:  ((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)) رواه أبو داود والترمذي وأحمد). فهذا النزاع والشقاق يجب رده إلى الكتاب والسنة وأن يحكم فى ذلك أهل العلم. فهو مذموم لأن منشأه التنازع والتباغض، وتقديم الرأي على النقل أو البعد عن الوحي أو قلة العلم أو قلة الفهم.

       أيها المسلمون، ها هنا بعض من آداب الاختلاف التي ينبغي أن تتربى عليها الأمة حكاما ومحكومين، أحزابا وجماعات، علماء وأكاديميين، وأصحاب فكر ورأي، صغارا وكبارا،  رجالا ونساء: ومن هذه الآداب: ١ – أن يكون الاختلاف على سبيل الوصول إلى الحق خالصا لوجه الله، وتجردا من الأهواء: فكثيرا ما تكون الخلافات بين الأفراد والفئات ظاهرها أنها خلاف على مسائل فى العلم أو قضايا فى الفكر وباطنها حب الذات، واتباع الهوى، الذي يُعْمِي ويُصِمُّ ويُضِلُّ عن سبيل الله. لقد حرصت التربية الإسلامية القرآنية والنبوية، على تكوين الإنسان المؤمن الذي يجعل غايته رضا الخالق، لا ثناء الخلق، ولا منفعة الدنيا.

وهذا الإمام الشافعي قال عنه يونس الصدفي: ” مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى، أَلَا يَسْتَقيمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَاناً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ ” (انظر: سير أعلام النبلاء ج16 ص10).

٢- عدم التَّمَسُّكِ بالرأي بشكلٍ مُتَعصبٍ، مع التأكيد على أهمية قَبُولِ مَا هُو أفضلُ مَهْمَا كان مَصْدَرُه ، هناك مقولةٌ شهيرةٌ مَنْسُوبَةٌ للإمام الشافعي وهي: ” رأْيِي صَوابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَرَأْىُ غَيْرِي خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوابَ ” ومعنى هذه العبارة: فيها اعترافٌ من الإمام بأن رأْيَهُ اجْتهادٌ بَشَرِيٌّ، قَابَلَ لِلنَّقْدِ والتَّصْحِيح، واعْتِرَافٌ أيضًا بِأنَّ رأْيِ الآخَرِينَ حتى لوْ بَدَا خَاطِئًا قد يحمل جوانب من الحقيقة ويجب الاستماع إليه.

٣- التَّحَرُّرُ من التَّعَصُّبِ للأشخاص والمذاهب والطوائف: المسلم الحقُّ لا يُقَيِّدُ نفسَه إلاَّ بِالدَّليل، فإنْ ظهَرَ لَهُ الدَّليلُ بادَرَ بالانْقِيَادِ لَهُ، وإن كان ذلك على خلاف المذهب الذي يَعْتَنِقُهُ، أو قولِ الإمامِ الذي يُعَظِّمُهُ أو الطَّائفةِ التي يَنْتَسِبُ إليها، فالْحَقّ أَحَقّ أنْ يُتْبَعَ. ورحِمَ اللهُ الإمامَ الشافعي الذِي قال: ” واللهِ مِا أُبَالِي أْن يَظْهَرَ الْحقُّ على لساني أو على لسان خَصْمِي “.

٤ – الانصاف: يوجب الإسلام على المسلم أن يكون عدلا مع من يحب ومن يكره، لا يخرجه غضبه عن الحق ولا يدخله رضاه فى الباطل، ولا تمنعه الخصومة من الشهادة لخصمه بما فيه من خير، قال تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌كُونُواْ ‌قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ} (سورة النساء: 135). وقوله: { يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (سورة المائدة: 8).

٥ – إحسان الظن بالآخرين: وخلع المنظار الأسود عند النظر إلى أعمالهم، فلا ينبغي أن يكون سلوك المؤمن واتجاهه قائما على تزكية نفسه واتهام غيره والله تعالى ينهانا أن نزكي أنفسنا قال تعالى: {  هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ ‌فَلَا ‌تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} (سورة النجم: 32). ومن أعظم شعب الإيمان حسن بالله،  وحسن الظن بالناس.

٦ – البعد عن المراء واللدد فى الخصومة: وقد ذم القرآن بعض أصناف الناس بقوله تعالى: { وَمِنَ ‌ٱلنَّاسِ ‌مَن ‌يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٍ مَّرِيدٍ} (سورة الحج: 3). وقوله تعالى:{ وَمِنَ ‌ٱلنَّاسِ ‌مَن ‌يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ} (سورة البقرة: 204).

بارك الله لي ولكم فى القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله  صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم  تسليما كثيرا.

اتقوا الله تعالى وأطيعوه، والْزضموا عبادته واحذروا معصيته واصبروا على ابتلائه.

         أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، إِنَّ الأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ مِنْ أَعْظَمِ ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ؛ بِهِمَا تَصْلُحُ الأَحْوَالُ، وَيَنْمُو الْعُمْرَانُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَلَا يَنْعَمُ الإِنْسَانُ بِهَنَاءِ الْعَيْشِ وَطُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ إِلَّا فِي ظِلِّ أَمْنٍ وَاسْتِقْرَارٍ. فَالْخَوْفُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَالِاضْطِرَابُ وَالتَّشْرِيدُ يَسْلُبَانِهِ مُقَوِّمَاتِ الْمَعِيشَةِ. وَلِذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْجَمِيعِ تَجَنُّبُ كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ حِفَاظًا عَلَى الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ. وَإِنَّ اسْتِهْدَافَ جَمَاعَةٍ مِنَ الآمِنِينَ فِي الْبِلَادِ، وَإِطْلَاقَ النَّارِ عَلَيْهِمْ عَشْوَائِيًّا دُونَ تَمْيِيزٍ، لِيُقْتَلَ مَنْ يُقْتَلُ وَيُجْرَحَ مَنْ يُجْرَحُ، لَيْسَ مِنْ دِينِ اللهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ، وَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ مَكْرِ الأَعْدَاءِ، يُنَفَّذُ بِأَيْدِي بَعْضِ الْجُهَلَةِ الأَغْرَارِ لِإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ النَّاسِ.

وَلِهَذَا نَسْتَغْرِبُ الْمَوْقِفَ الَّذِي أَبْدَاهُ بَعْضُ الزَّائِرِينَ الأَمِيرِكِيِّينَ فِي نِيجِيرْيَا؛ إِذْ جَاءُوا بَاحِثِينَ مُفَتِّشِينَ عَنْ دَعْوَى «إِبَادَةٍ جَمَاعِيَّةٍ ضِدَّ الْمَسِيحِيِّينَ»، وَأَهْمَلُوا الْجَانِبَ الإِسْلَامِيَّ فِي جَوَلَاتِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ تَوَاصَلُوا مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَنَائِسِ فَقَطْ، بَعْدَ مُشَاوَرَتِهِمْ لِلْجِهَاتِ الأَمْنِيَّةِ فِي الْحُكُومَةِ، وَهَذَا شَاهِدٌ بَيِّنٌ عَلَى عَدَمِ الإِنْصَافِ وَغِيَابِ التَّوَازُنِ وَالْعَدْلِ فِي خُطُوَاتِهِمْ.

وَنُؤَكِّدُ—وَبِغَيْرِ لَبْسٍ—أَنَّ الإِسْلَامَ بَرِيءٌ مِنَ الْعُنْفِ وَالإِرْهَابِ وَالإِبَادَةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا، وَأَنَّهُ لَا تُوجَدُ فِي نِيجِيرْيَا أَيُّ إِبَادَةٍ تَسْتَهْدِفُ الْمَسِيحِيِّينَ؛ بَلْ إِنَّ الْعُنْفَ يُصِيبُ الْجَمِيعَ دُونَ نَظَرٍ إِلَى دِينٍ أَوْ لَوْنٍ. وَأَيُّ بَحْثٍ حَقِيقِيٍّ عَنِ الْحَلِّ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَ الْجَمِيعَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّلَامُ الْمَنْشُودُ.

قال الله تعالى فى تحريم قتل أي نفسٍ فى كتابه المجيد: {مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ ‌مَن ‌قَتَلَ ‌نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٍ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ * إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٌ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (سورة: 32-34).

الدعاء: حَمَى اللهُ بِلاَدَنا وبلادَ المسلمين من كلِّ سُوءٍ ومَكْرُوهً، وأدامَ علينا وعلى المسلمين الأمْنَ والاستقرارَ. اللهم اجعلنا من عبادك الذاكرين الشاكرين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللهم من الراشدين. اللهم ألهمنا ذكرك آناء الليل وأطراف النهار. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطايانا، وإسرافنا على أنفسنا، وأنت أعلم بذنوبنا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، واجعلنا من أهل الجنة، ونَجِّنا من النار. برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكُفر والكافرين، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك فى نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم ألف بين قلوب المسلمين على الحق،  اللهم اجْعَلْ  لِلشَّعْبِ الْفَلَسْطِينَ وللمسلمين فى كل مكان النُّصْرَةَ والْعِزَّةَ والْغَلَبَةَ والقُوّة والْهَيْبَة والرُّعْبَ فى قلوب أعدائهم وأعدائنا. اللهمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ واطْلِقْ أَسْرَاهُمْ. وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع  كَرْبَهُمْ، واكْشِفْ ضُّرَّهم، اللهم انصر مُجَاهِدِيهِمْ بِقُوَّتِك َوَبِجُنُودِك يا ربَّ العالمين. اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.

Scroll to Top