بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الرابعة لشهر ربيع الثاني بتأريخ 22/4/ 1446ه (25/10/ 2024م)
الموضوع: قضاء حاجات المسلمين والإعتناء بأمورهم
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ للهِ ربِّ الْعَالَمِين, نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ , ونَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ؛ أشْهَدُ أنْ لاَإلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمّا بعد ,
فَعِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً إِذْ هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَكافَة الْمَأْمُوراتِ وَالْمَنْهِيات وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:2\21].
عباد الله ! فإن الاهتمام بقضاء حوائج الناس والإحسان إليهم لا يُحسِنه كُلُّ أحدٍ، ورسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل بعثته كان من ضمن شمائله الكريمة قضاء حوائج الناس، كما أثنت عليه بذلك زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ حيث قالت له يوم أن جاء فزعاً من الغار في بداية الوحي: ” كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
فالإحساس بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم من تمام رحمته، وكمال جُودِه وسَعيِه، وحسن أخلاقه وجميل صفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وقد قال الله تعالى عنه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ( الأنبياء الآية:107) وقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( القلم الآية:4 ) وعن جابر بن عبد الله رضِي الله عنه – قال: ( ما سُئِل رسول الله – صلّى الله عليه وسلَّم – شيئًا قطُّ فقال: لا ) رواه البخاري .
وفي سيرته وسُنته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ القولية والفعلية شواهد كثيرة تدل على اهتمامه الكبير بقضاء حوائج المسلمين، والحث والعمل على تفريج كُرَبِهم .
من السُنَّة القولية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( من نفَّس ( أزال ) عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )(رواه مسلم )
قال النووي : وهو حديث عظيم، جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، وغير ذلك “.” قال النووي:
ومنها ترغيبه – صلى الله عليه وسلم ـ في قضاء حاجة الأرملة واليتيم ـ خاصة ـ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، – وأحسبُه قال – وكالقائمِ لا يفتُرُ، وكالصائمِ لا يفطر ) رواه البخاري .
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى ، وفرَّجَ بينَهما شيئًا ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلاً جاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟، وأي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ) رواه الطبراني .
من السُنَّة الفعلية في قضاء حوائج المسلمين :
قال ابن القيِّم: كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – أعظمَ الناس صدَقةً بما ملَكَتْ يده، وكان لا يستَكثِر شيئًا أعطاه لله – تعالى – ولا يستقلُّه، ولا يَسأَله أحدٌ شيئًا عندَه إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيرًا، وكان عَطاؤه عطاءَ مَن لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحه بما يُعطِيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا اعتَرض له محتاجٌ آثَرَه على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه، وتارةً بالصدقة، وتارةً بالهديَّة، وتارةً بشِراء الشيء، ثم يُعطِي البائع الثمن والسِّلعة جميعًا، كما فعَل بجابر، وتارةً كان يقتَرِض الشيءَ فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتَرِي فيعطي أكثر من ثمنه ويَقبَل الهديَّة ويُكافِئ عليها بأكثر منها أو بأَضعافِها، تلطُّفًا وتنوُّعًا في ضروب الصدقة والإحسان بكلِّ مُمكِن، وكانت صدقته وإحسانه بما يَملِكه وبحاله وبقوله، فيُخرِج ما عنده ويَأمُر بالصدقة، ويَحُضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البَخِيل الشَّحِيح دَعاه حالُه إلى البذل والعَطاء، وكان مَن خالَطَه وصَحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسَه من السماحة والنَّدَى .. وكان هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف، ولذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشرح الخلق صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر ” .
قضاء حوائج الناس سنة نبوية، وهي من أعظم القربات، ومن أجلّ الأعمال التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه، ومن رحمة الله ـ سبحانه ـ أنه جعل لقضاء حوائج الناس أهلا، فتراهم يسارعون إلى إسداء المعروف وخدمة الناس بنفس راضية ووجه مبتسم، فنعم الرجال هم، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة، وإن الله إذا أراد بعبده خيرًا جعل قضاء حوائج الناس على يديه، ومن قام بما يجب عليه من شكر الله على نعمته عليه، بأن جعله مفتاحا للخير وقضاء حوائج الناس فقد شكرها وحافظ عليها، ومن قصَّر ولم يقم بحق المسلمين عليه ـ بقضاء حوائجهم ومساعدتهم ـ فقد عرَّضها للزوال، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنَّ لله تَعَالَى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لمنافعِ العباد، ويُقرُّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولَّها إلى غيرِهم (رواه الطبراني وحسنه الألباني )
الخطبة الثّانية
ليسوا أمواتا بل أحياءا
الحمد لله وحده لا شريك له والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده،وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
قال تعالى : (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. سورة البقرة – الآية 154. قوله تعالى : (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) هذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ).
بكل معاني الشموخ والكبرياء والعزة والكرامة تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى أمتنا جميعا وأحرار العالم رجلا من أنبل الرجال وأشجع الرجال، وقائد معركة طوفان الأقصى الذي ارتقى بطلًا شهيدًا، مقبلًا غير مُدبر، مُمْتَشقًا سلاحه، مشتبكًا ومواجهًا لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف، يتنقل بين كل المواقع القتالية صامدا مرابطا ثابتا على أرض غزة العزة، مُدافعا عن أرض فلسطين ومقدساتها، ومُلهمًا في إذكاء روح الصُّمود والصَّبر والرّباط والمقاومة.
وتؤكد أن هذه الدماء ستظل توقد لنا الطريق وتشكل دافعا لمزيد من الصمود والثبات، وأن حركة حماس ماضية على عهد القادة المؤسسين والشهداء حتى تحقيق تطلّعات شعبنا في التحرير الشامل والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس، بإذن الله وسوف تتحول لعنة على المحتلين الغزاة الطارئين على هذه الأرض
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، وألِّف بين قلوبهم، ووحِّد صفوفهم، ووفِّقهم لاتِّباع كتابك وسُنة نبيِّك، اللهم هيِّئ لنا الأسباب لتحرير المسجد الأقصى، واهْدِ المسلمين حُكَّامًا ومحكومين لإقامة شريعتك، ونصرة دينك.
اللهم عليك باليهود المعتدين، وبمن يعينهم من النصارى والمنافقين، اللهم انتقم منهم، وخالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.إنك مجيب الدعوات وبالإجابة جدير والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.