الأعمال التي تنفع الميت

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الْخطبة الثالثة لشهر الله المحرّم بتأريخ 20\1\1446هـ-27\7\2024م

حول: الْأَعْمَال التِي تَنْفَعُ الْمَيِّتَ

الحمد لله رب العالمين الَّذِي جَعَلَ عَلاقَةً وَطِيدَةً بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَجَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً وَالْآخِرَةَ مَكَانًا لحصادِهَا, وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس:36\12], نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى وَنَشْكُرُهُ وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ, وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ , ونَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ، إِنَّهُ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ؛ أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أمّا بعد، فَعِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً إِذْ هِيَ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ وَكافَة الْمَأْمُوراتِ وَالْمَنْهِيات وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ  َتَّقُونَ﴾ [البقرة:2\21] 

إخْوَةَ الإيمان, هَذَا هُوَ اللِّقَاءُ الثّالث فِي شَهْرِ الله المحرّم, وَمَوْضُوعُ خُطْبَتِنَا يُرَكِّزُ عَلَى الْأَعْمَال التِي تَنْفَعُ الْمَيِّتَ.

أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ, من المتفق عليه : أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر في حياته ، لما رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له” وروى ابن ماجه عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال:

“إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره ، أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه ، أو بيتا بناه لابن السبيل أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته”

وروى مسلم عن جرير بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من يعمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء”

أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي:

1-الدعاء والاستغفار له ، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر:59/10]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء” وحُفِظَ من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : “اللهم اغفر لحينا وميتنا” ولا زال السلف والخلف يدعون للأموات ويسألون لهم الرحمة والغفران دون إنكار من أحد.

2-الصدقة : وقد حكى النووي الإجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولد أو غيره ، لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات وترك مالا ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: “نعم”

وعن الحسن عن سعد بن عبادة . أن أمه ماتت. فقال: يا رسول الله : إن أمي ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : “نعم”. قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : “سقي الماء” قال الحسن فتلك سقاية آل سعد بالمدينة . رواه أحمد والنسائي وغيرهما: ولا يشرع إخراجها عند المقابر ، ويكره إخراجها مع الجنازة.

3-الصوم : لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : “لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها” ؟ قال : نعم. قال :    ” فدين الله أحق أن يقضى

4-الحج : لما رواه البخاري عن ابن عباس : أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : “حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء”

5-قراءة القرآن : وهذا رأي الجمهور من أهل السنة: قال النووي : المشهور من مذهب الشافعي : أنه لا يصل

وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل ، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه : “اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان”.

وفي المغني لابن قدامة : قال أحمد بن حنبل : “الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه ، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعا. 

والقائلون بوصول ثواب القراءة إلى الميت ، يشترطون ألا يأخذ القارئ على قراءته أجرا. فإن أخذ القارئ أجرا على قراءته حرم على المعطي والآخذ ولا ثواب له على قراءته ، لما رواه أحمد والطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن شبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “اقرؤوا القرآن ، واعملوا … ولا تجفوا عنه ولا تغفلوا فيه ، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به”  قال ابن القيم : والعبادات قسمان : “مالية وبدنية ، وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ، ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار”

أفضل ما يهدى للميت:

قال ابن القيم : قيل الأفضل ما كان أنفع في أنفسه ، فالعتق عنه ، والصدقة أفضل من الصيام عنه ، وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : “أفضل الصدقة سقي الماء”  وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش ، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقني لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة ، وكذلك الدعاء والاستغفار له إذا كان بصدق من الداعي وإخلاص وتضرع ، فهو في موضعه أفضل من الصدقة عنه كالصلاة على الجنازة ، والوقوف للدعاء على قبره.

وبالجملة : فأفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه.

الْخُطْبَةُ الثَّانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين القائل في كتابه العزيز:﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾[الأنفال:8/73]. والصلاة والسّلام على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدّين.

أمّا بعد، فعبادَ الله الْكِرَام, ومن الْجدِيرِ بِالذكرِ في الوقتِ الراهنِ مَا حَدَثَ لِعَدُوِّ الْإِسْلامِ والْمُسْلِمِينَ بَلْ عَدُوّ الإِنسانية وأحرار الْعالم كافّة. تحت شعار “لن نجعله يستريح”، نظم ناشطون أمريكيون، يوم الأربعاء، 24 يوليو 2024م مظاهرة ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أمام فندق ووترجيت في العاصمة واشنطن، الذي يقيم فيه خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء كلمة أمام الكونجرس. وشهدت المظاهرة إحضار المتظاهرين مكبّرات الصوت وصفارات وأدوات تساعدهم على إزعاج نتنياهو، مثل الأواني والطبلة وغيرها، واصفين نتنياهو بـ”مجرم الحرب” الذي يقتل المدنيين والأبرياء في غزة، مطالبين بوقف إطلاق النار

وقال رقيب سابق بالجيش الأمريكي، حمل لافتة “لن أكون متورطاً في الإبادة الجماعية.. فلسطين حرة”، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”: “كنت في الجيش الأمريكي وشاركت في غزو العراق، وبعد سنوات عديدة أدركت أنه كان خطأ فادحاً، وكنت محظوظاً رغم خطأي، لأنني الآن على قيد الحياة، والعديد من الأطفال فقدوا آباءهم، فضلاً عن آباء فقدوا أبناءهم، وما حدث هناك مشابه تماماً لما يحدث في غزة”.

عباد الله لنتخذ هذه الفرصة الذهبية لنعلن غضبنا وغضب جميع المسلمين لصانعة الأفلام التي جعلت الحجاب رمز الفساد حيث قامت بإنتاج فيلم جديد صورت فيه سارقين بنوك يرتدون الحجاب بالنقاب على وجوههم ويحملون أسلحة متطورة. وهذه صنيعة شنيعة مرفوضة غير مقبولة، وندعو السلطات المعنية لحظر الفيلم لتجنب وضع قد يهدد النظام والقانون. ونعلن بكل صراحة أن الحجاب لباس ديني يعبر عن الإيمان، والعفاف والطهارة، والطاعة لله. وليس زيًا للسخرية الفنية أو التدنيس. ولا يخفى عن اللبيب أن الدافع الخفي لمثل هذا المسلك لا يخلو من غرض سيء لتضيع الحجاب وأهله وطردهم منه حتى يشعرن بالخجل من ارتدائه! ولكن الله يرفض خططهم ورد عليهم كيدهم وجعله هباء منثورا!”  

أيها المسلمون الكرام، هناك معلومات تنتشر في جميع الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، تفيد بأن بعض الجماعات المعارضة للحكومة الحالية تخطط لتنظيم احتجاج في الأول من أغسطس 2024 للمطالبة بالقضاء على المعاناة الحالية. وقد ناشدت الحكومة الفيدرالية جميع الأطراف المعنية بالتراجع عن هذا المخطط، والتحلي بالصبر وتبني الحوار. وفي نفس السياق، انضم قادة من المناطق الجنوبية والشمالية في البلاد إلى الحكومة في معارضة هذا المخطط. كما حذر حكام الولايات من الاحتجاج، قائلين بأنه قد يكون خطيرًا.

وفي وسط هذه المناشدات للهدنة، قررت بعض الفئات المشاركة في الاحتجاج، مثل الجمعية الوطنية للطلاب في الجامعات والبوليتكنيك وفي كليات التعليم وبعض الشخصيات السياسية، والشخصيات العامة، والجماعات.

وفي هذا الصدد، نناشد المخططين لتجنب الاحتجاج وتبني الحوار مع الحكومة، لمنع اختطاف الاحتجاج من قبل بعض الأشخاص ذوي النوايا الخطيرة تجاه بلدنا الحبيب. دعونا نتأمل في ما يحدث حاليًا في كينيا (kenya)، في حين أن حالة السودان لا تزال طازجة في الأذهان. وإذا بدا ذلك بعيدًا، ففكروا في ملحمة ENDSARS. ففي جميع الحالات المذكورة، لم يعرف أي مكان الراحة أو السلام.

والآباء هم من أصحاب المصلحة المهمين في هذا الشأن، يجب عليهم مناشدة أبنائهم ليكونوا حَذِرِين من أن يُستغَلّوا. بينما ندعو الحكومة لبذل كل ما في وسعها للاستجابة لمطالب الشعب من خلال سياسات عملية تساهم في تخفيف المعاناة الاقتصادية. “رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ”

الدُّعَاءُ: اللهم أبْطِلْ مكر أعداء الإسلام، وأبطل اللهم مُخطَّطاتِهم التي يُخَطِّطونها، اللهم إنَّا نَدْرَأُ بك في نُحُورِهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم إنا نسألك أن تؤلف بين قلوب المسلمين على الحق،  اللهم انصر الشعب الفلسطيني،  وفَرِّجْ الحِصارَ عنهم، اللهم ارفع الكَرْبَ، واكْشِف الضُّرَّ، اللهم اشف مرضاهم ومرضى المسلمين، اللهم فُكَّ أسْرى أهل فلسطين وأسرى المسلمين، اللهم آمنا فى أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، يا أرحم الراحمين ويا رب العامين. وصَلّى اللهُ على سيِّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

Scroll to Top