نصائح للراعي والرّعية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الْخُطْبة الأولى لشهر صفر بتأريخ 4/2/1446هــــ-9/8/2024م

حول: نصائح للراعي والرعية

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله الذي بطاعته تحصُل الخيراتُ وتقعُ البركات، وبمعصيته تحُلُّ الكوارِثُ والمثُلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ الأنبياء وأفضلُ المخلوقات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ إلى يوم الدين

أما بعد، فيا أيّها المُسلمون ،أُوصيكم ونفسي بتقوى الله – جل وعلا -؛ فهي سببُ الخيرات، وبها تحصُلُ البركات، ويحصُلُ بعد العُسر يُسرًا، وبعد الضِّيق سَعَة:   ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ” (الطلاق :4)

عباد الله المستمعون الكرام  اعلموا أنّه تُحيطُ بالنّاس اليوم فتنٌ عظيمةٌ ومحَنٌ جسيمةٌ، يقول – صلى الله عليه وسلم – في مثل ذلك: «…يتقَارَبُ الزمان، ويقِلُّ العمل، ويُلقَى الشُّحُّ، وتظهر الفتن” ألا وإنّ أعظمَ الفتن وأشدّها خطرًا وأكبرها ضررًا: هذه الفتنُ التي تقعُ في كثيرٍ من مُجتمعات النّاس اليوم؛ من اختلافِ الكلمة، وتفرُّق الصفِّ، وانتِشار الأحقاد والبَغضاء بسبب التكالُبِ على هذه الدنيا، حتى وقعَ بذلك شرٌّ مُستطيرٌ، وضررٌ كبيرٌ على البلاد وعلى العباد؛ ضررٌ نالَ الأمنَ والأمانَ، وأصابَ الأنفُسَ والأعراضَ والأموال .فتنٌ سبَّبَت إزهاقَ الأرواح، وانتِهاك الأعراض، وسلبَ الأموال لأجل ما حلت بين الرؤساء والأتباع والحكام والمحكومين عليهم بيون شاسعة، فيتعدّي الأمر إلى أن يرفعَ بعضُهم على بعضٍ السِّلاحَ، وتعدَّى بعضُهم على عِرضِ أخيه ومالِه ، وصدقَ عليهم قولُه – جل وعلا -: ” يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ” (الحشر:2)

وصدقَ عليهم قولُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناهِيًا: «لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ”

ألا وإن أعظمَ الضمانات وأسباب الوقاية من شُرور الفتن: تكون في التمسُّك بالثوابِت والأُسس، والحِرص على المبادئ والأصول التي جاءَ بها الشرعُ المُطهَّر. بذلك وحده يحصُلُ الضمانُ الأعظمُ لتوقِّي أخطار الفتن، وتحصُل الحصَانةُ الوحيدة لدفع الشُّرور والأخطار

إن من تلك الأُسس: أن نعلمَ علمَ اليقين أن سببَ كل شرٍّ، وأصلَ كل بلِيَّةٍ تقعُ بالبشريّة؛ البُعد عن منهَج الإسلام، التهاوُن في طاعة الرحمن، الانحِرافُ عن تطبيق أحكام الإسلام

ألم يقُل لنا ربُّنا – جل وعلا -:   ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” (النور: 63) .

فالشعب في أي مجتمع لا يخلف من أن يكون رائسا أو مرؤوسا أيًّا كانت طبقته الاجتماعية,ولذلك تدور خطبتنا اليوم حول النصائح للراعي وللرّعيّة                 

عباد الله المستمعون الكرام ! إنّ من العارِ على الأمة اليوم: أن تضِلَّ عن ما أرشدَها إليه سيدُ البشريّة، والعالَمُ يتفرَّج على أهله ولا سيّما المسلمين وهم في شرِّ حالٍ، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس! إنّي تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به فلن تضِلُّوا أبدًا: كتابَ الله وسُنَّتي» (إسنادُه صحيح)

آنَ لنا حُكَّامًا ومحكومين إذا أردنا رُشدَنا، وسلامةَ أمنِنا، وصلاحَ أمرنا أن نأخُذ بقوَّةٍ وبصدقٍ وإخلاصٍ تلك الوصية التي أوصانا بها نبيُّنا – صلى الله عليه وسلم -، يقول – عليه الصلاة والسلام -: «عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، وستَرَون بعدي اختِلافًا شديدًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم والأمور المُحدثات؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة»؛ (الحديثُ صحيحٌ)

إخوة الإسلام؛ على كل حاكمٍ في كل بلدٍ أن يقوم بواجبِ الأمانة والمسؤولية بإخلاصٍ وصدقٍ ومُراقبةٍ لله  سبحانه ، أن يستذكِر دائمًا قولَه لنبيِّه داود: ” يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ “” (ص:26)

على كلّ حاكمٍ – من ملكٍ، أو أميرٍ، أو قائدٍ – أن يستذكِرَ قلبًا وقالَبًا قولَه – صلى الله عليه وسلم – لأبي ذرٍّ في الإمارة: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزيٌ وندامةٌ، إلا من أخذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها»؛ (رواه مسلم)

فعليه أن يكون شِعارُه دائمًا قولُه – صلى الله عليه وسلم -: «ما من راعٍ يسترعِيه الله رعيَّةً يموتُ يوم يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّم الله عليه رائحةَ الجنةِ»؛ (رواه مسلم)

فاختَر – أيّها الحاكم المسلم – مكانَك من جنَّةٍ أو من نارٍ على ما أخبرَك به سيِّدُك محمدٌ -صلى الله عليه وسلم.

إن على الحُكَّام جميعًا أن يسيروا في الرعيَّة بقاعدة العدل بمبدأ الإنصاف، أن يحذَروا من الظلم أو بتمكينِه في بُلدانهم بشتَّى صُوره ومُختلَف أشكاله، قد لا يقعُ الظلمُ من ذواتِهم، وإنما يقعُ من بِطانَتهم أو ممن ولَّوه على المُسلمين، فيكونُ المسؤولُ حينئذٍ الحاكمَ” ؛ فإن الله – جل وعلا – قال: «إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسِي وجعلتُه بينَكم مُحرَّمًا

فبالعدلِ يأمنُ الحاكمُ ويأمنُ المحكومُ، وبالظلم يعمُّ الشرُّ على الجميع، وينتشرُ الفسادُ، وتحلُّ بالقلوب البغضاءُ والأحقاد، وما هذه الثوراتُ التي حصَلَت في بلادنا إلا صادقُ بُرهانٍ لهذا الكلام الذي عليه نورُ النبُوَّة.

على الحاكم أن يحرِصَ على تفقُّد أحوال رعيَّته، وألا يشغلَه شاغلٌ عن ذلك حتى لا يندَم حين لاتَ مندَم، وألا يحتجِبَ دون حاجاتهم وخلاَّتهم، وإلا فمتى حصلَ ذلك منه انفصَمت العُرَى، وحلَّ الفسادُ العريضُ بين الحاكم والمحكوم.

صحَّ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من ولاَّه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجَبَ دون حاجَتهم وخلَّتهم وفقرِهم احتجَبَ الله دونَ حاجته وخلَّته وفقرِه يوم القيامة”

وعليه أن يتَّقِي اللهَ – جل وعلا -، وأن يترُك الهوَى والعصبيَّةَ جانِبًا، وأن يستعمِلَ أهلَ التقوى والورَع، وذوي الطاعة والبرِّ على أمور المسلمين ممن يتَّصِفون بالقوة الأمانة الذين يُحبِّبون الناسَ للخير، يجمَعون القلوبَ ولا يُفرِّقون، يُصلِحون في البلاد ولا يُفسِدون، وإلا فمتى بُلِيَ الحاكمُ ببِطانةِ سُوءٍ دبَّ الخطر، واستحكمَ الشرُّ.

فاحذَر – أيها الحاكم – في كل بلدٍ من البلاد أن تُؤثِّرَ على دينِك، وأن تُفسِدَه بدنُيا غيرِك

على الحاكم أن يعلمَ أن الدنيا لها سيطرةٌ على كثيرٍ من النفوس في كل زمنٍ، وأن الشُّرور في المُجتمعات ما وقعَت إلا بسببِ التكالُبِ على الدنيا ومناصبِها وحُظوظِها وزخارِفِها

فعلى من بُلِيَ بالولاية أن يكون على حذَرٍ من الاستِثارِ بهذه الدنيا، ومن الأثَرة على رعيَّته، ففي “صحيح البخاري” قال – صلى الله عليه وسلم -: «إن رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يوم القيامة”

ولهذا أنتجَت مدرستُه (صلى الله عليه وسلّم) أبا بكرٍ وعمرَ الفاروق وغيرَهما من الصحابة،

وهذا هو عُمرُ الذي قد قتَّر على نفسِه، وقدَّم رعيَّتَه على نفسِه؛ يقول: “أتدري ما مثَلي ومثَلَ هؤلاء؟ كمثَل قومٍ كانوا في سفَرٍ فجمعُوا منهم مالاً، وسلَّمَه إلى واحدٍ منهم يُنفِقُ عليهم؛ فهل يحِلُّ لذلك الرجل أن يستأثِرَ عنهم من أموالِهم ؟

عباد الله الكرام ؛إنّ من أهمّ ما على الحاكم أن يجتهِد أشدَّ الاجتِهاد في حِفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وإن أعظمَها: دينُ الناس؛ وذلك أن يقوم الحاكمُ بالاجتهاد بنشر وسائل الدعوة إلى الله، وإلى سُنَّة نبيِّه محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وأن يُمكِّنَ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المُنكَر في البلاد التي يحكمُها، وأن يُحكِّمَ شرعَ الله في كل شأنٍ، وأن ينبُذَ كلَّ نظامٍ يُخالِفُ شرعَ الله، وأن يأخُذَ على يدِ المُفسِدين والمُبتدِعين، وألا يسمحَ لكائنٍ أن ينشُرَ فسادًا أو يجُرَّه على المُسلمين في دينِهم أو دُنياهم. فالله – جل وعلا – يقول: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا “ (الأعراف:56)

عباد الله تعالى اعلموا أنّ على الرعيَّة إعظامُ حقِّ السلطان، والحِفاظُ على إكرامِه وتبجِيله، ففي “المسند” بسندٍ صحيحٍ قال – صلى الله عليه وسلم -: «من أكرمَ سُلطانَ الله – تبارَك وتعالى – في الدنيا أكرمَه الله يوم القيامة، ومن أهانَ سُلطانَ الله – تبارك وتعالى – في الدنيا أهانَه الله يوم القيامة.

وعليهم الصبرُ على جَور الحاكمِ إن جارَ أو ظلَمَ؛ ففي “صحيح البخاري” عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم ستَرَون بعدي أثرَةً وأمورًا تُنكِرونَها». قالوا: فما تأمُرنا يا رسول الله؟ قال: «أدُّوا إليهم حقَّهم، وسلُوا اللهَ حقَّكم”.

ومنها الحَذَرُ أشدَّ الحَذَر من الخروج على الحاكمِ المُسلِم ما لم يرَوا كفرًا بُواحًا، وفقَ شروطٍ يُقرِّرُها علماءُ الأمة لا الدهماءُ والعامَّةُ:وفي الصحيحين أن عُبادة بن الصامِت – رضي الله عنه – قال: بايَعنا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – على السمع والطاعة في منشَطنا ومكرَهنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأثرَةٍ علينا، وألا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، «إلا أن ترَوا كُفرًا بُواحًا عندكم فيه من الله بُرهان”

فعلى الجميع الاتِّصافُ بالحِلمِ والأنَاة وعدم التعجُّل؛ فبذلك تُدرَكُ الأمورُ حقيقةً، وتُوزَنُ بالميزان الأرشَد، والعجَلَةُ والتسرُّعُ في التصرُّفات والأفعال كثيرٌ ما لا تُحمَلُ عُقبَاها

كما أن عليهم مُراعاة الرِّفقِ في جميع التصرُّفات؛ ففي قواعد السُّنَّة المُحمديَّة: «ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا نُزِع من شيءٍ إلا شانَه، والرِّفقُ كلُّه خيرٌ”

فحافِظوا على هذا النظامِ العظيمِ الذي تصلُحُ به أحوالُكم، وتزكُو به بُلدانُكم.

أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين ؛إله الأوّلين والآخرين والعاقبة للمتّقين ولا عدوان إلاّ على الظّالمين ثمّ صلاته وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أمّا بعد ؛ عباد المستمعون الكرام ،اتّقوا الله واعلموا علم اليقين أنّ فيه مثلا و نماذجا حيّاة من سلفنا الصّالحين لكلّ من له قلب أو ألقى السمع من الحكّام كان أو محكومين،فبتطبيق ذلك يتحقّق للطرفين  يحصل الدّعاء أو اللّعن من مستحقيه لقول الرّسول –صلى الله عليه وسلّم-عن عوف بن مالك (رضي الله عنه) “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم (أي الدّعاء) وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم،وتلعنوهم ويلعنونكم” (مسلم)

عباد الله الكرام؛ فإن دلّ الحديث الشّريف على شيء،فإنّما يدلّ على أن ولاة أمور النّاس قسمان فيما بدى منهم تجاه رعيّتهم ؛قسم وفّقوا وقاموا بما يجب عليهم -فقليل ما هم-فأحبّهم النّاس وأحبّوا النّاس،وصار كلّ واحد منهم يدعو للآخر.وقسم آخر بالعكس شرار الأئمّة ؛يبغضون النّاس والنّاس يبغضونهم،ويسبّون النّاس والنّاس يسبّونهم. فمن أيّ من القسمين نحن مع أمراءنا وحكّامنا  ؟ فهل نحبّهم للخير في الطاعة فيما للمجتمع الصّلاحيّة في غير معصيّة الله وندعو لهم للهداية ؟ فهل نؤدّي ما علينا من الواجبات حتّي نستحقّ بمطالبة ما لنا من الحقوق من لدنهم وفيما بيننا كالمواطنين ؟ فإنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسم.

إخوة الإيمان؛لم نزل نتعازي لإخواننا في غزة العزّة على الخسائر اليوميّة الّتي تعانيها الأمّة في المنطقة، والله يرحم شهداءهم ويصلح أحوال جرحاهم وهو المدعو لاستمرار الاذلال على الأعداء إلى أقرب الهلاك ونتمنى منه في علاه أن يوفّق زعيم فلسطين السّياسي الجديد ؛السيّد يحيا سنوار.

الدّعاء

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولّي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.

اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب  النّار.

Scroll to Top