الزواج المبكر سلامة للفرد والمجتمع

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الْخُطْبة الأولى لشهر صفر بتأريخ 11/2/1446هــــ-16/8/2024م

الخطبة الأولى

حول:  الزواج المبكر سلامة للفرد والمجتمع

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له . أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ؛ من بلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الغمّة وجاهد في الله حقّ جهاده حتّى أتاه اليقين من ربّه.فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار إلى يوم الدين،أما بعد؛:

فأيّها المسلمون المستمعون الكرام اتقوا الله  واعلموا أنّ ربَّكم أرادَ عمارةَ هذا الكون شرعًا وقدرًا إلى أجلٍ مُسمًّى، وهذا العُمرانُ لا يكونُ إلا بالتعاوُن والتوافُق، والاجتماع وبناء الحياة على السُّنن العادلة الحكيمة النافعة.

والإنسان مُستخلَفٌ في هذه الأرض؛ ليُصلِحَها ويعمُرَها، ويعبُدَ اللهَ عليها، وسعادتُه في طاعة الله، وشقاوتُه في معصية الله؛ قال الله تعالى: “وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ” (النور: 52)، وقال – عز وجل -: “وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ” (النساء: 14)، وقال تعالى: “وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ” (المؤمنون : 71  )

ومن أول خُطوات الإنسان ومراحِله في هذه الحياة: اقتِرانُه بزوجةٍ على سنَّة الله ورسولِه، يتمُّ بينهما التعاوُن والتراحُم والتآلُف، وتشابُك المنافِع والمصالِح، وتتحقَّقُ بينهما مُتعةُ الغرائِز البنَّاءة النبيلة، والسعيُ إلى الأهداف والغايات الفاضِلة، وتتحقَّقُ المكاسِبُ المُبارَكة، والذريَّةُ الطيبة بالبكور ما دام قادرا عليه ومنفّذا لوصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ولمل في ذلك من الفوائد والمنافع العظيمة, ولذلك يدور موضوع خطبتنا اليوم حول “ الزواج المبكر سلامة للفرد والمجتمع

عباد الله تعالى؛ إنّ الزواج محضَنُ الأجيال، ومدرسةُ المولود الأولى، ومُوجِّهةُ الشباب إلى الصلاح والإصلاح والتعميرعلى الوجه الذي يرضي الله تعالى.

وكلا الزوج والزّوجة هما لبِنَةُ المُجتمع الصالِح – بعد أن كانا صالِحَين -، ومسكَنُ العطف والرحمة والشفقَة والرعاية، والإحسان للناشئِين، وأصلُ الرَّحِم والقرابة التي يكونُ بها التناصُرُ والتراحُم والتكافُل، والتواصُل والتوادُّ، والحمايةُ من عاديات الحوادث.

فالزواج عباد الله، ليس سنة الله الماضِية التي لا حصرَ لمنافعِه، ولا نهايةَ لبركتِه فحسب، بل سنة الأنبياء والرّسل الباقية الدائِمة التي لا تنقطِعُ خيراتُها لقوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً” (الرعد: 38)، وقال تعالى أيضا في صفات المؤمنين: “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” (الفرقان: 74)

مع كونه أمرا من تلقاءه تعالى حيث يقول: “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” (النور: 32 )

فمن فوائد الإبتكار في الزواج للفرد والمجتمع ما تلي :-

1. فالزواجُ طهارةٌ للقلب وزكاةٌ للنفس:إنّ هذا سببٌ للذرِّيَّة التي تتعاقَبُ على الأرض لعبادةِ الله ولعُمرانها..ولذلك يُشرعُ أن يتخيَّر الزوجُ الزوجةَ الصالِحةَ، بالخُلُق والدين وحُسن المنبَت؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «تُنكَحُ المرأةُ لأربع: لمالِها ولحسَبِها ولجمالِها ولدينها، فاظفَر بذاتِ الدِّين ترِبَت يداك»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة(رضي الله عنه)

2. الزواجُ طهارةٌ وعفَّةٌ للطرفين المعنيين (الزوجين): وصلاحٌ للمُجتمع، وحفظٌ لهم من الانحِراف؛ قال الله تعالى: “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ“( البقرة)

3. الزواجُ أمانٌ للمُجتمع : يكون هذا من تفشِّي الزنا وعمل قوم لُوط؛ فما انتشَرَ الزنا في بلدٍ إلا ضربَه الله بالفقر والحاجة والذِّلَّة، وظهر فيه الأمراضُ والوباء الذي لم يكُن في أسلافِه الماضِين، مع ما للزُّناة في الآخرة من الخِزيِ والعذاب؛ قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا” (الفرقان:68-69)

4. الزواج بالبكور وسيلة لإنجاب الأولاد الصالحين والنافعين:ولقد ثبت طبيّا أنّ أفضل الأولاد وأصحّهم هم الذين تلدهم المرأة في مرحلة مبكّرة من حياتها,ولا يحصل ذلك إلاّ أن طريق الزّواج الشرعي.قال تعالى : “وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلّاَ نَكْدَا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ” (الأعراف:58)

5. الانتفاع الصحّى العامّ للمرأة المتزوّجة : أكّدت دراسات بحثيّة على أنّ المرأة المتزوّجة تستفيد صحيًّا من الزواج، وذلك لأنّ الأشخاص المتزوّجين أقلّ عرضةً للإصابة بالصّداع، وأكثر مقاومةً لمرض السرطان؛ لأنّهم يتمتعون بمناعةٍ قوية

يعمل على صفاء، ونقاء البشرة، ويجعلها دائمًا متألقةً.وذلك من خلال الممارسة المنتظمة للعلاقة الزوجية. والله المسؤول أن يرينا حقّا وأن يرزقنا اتباعه ويصلحنا.

الخطبة الثّانية

دور الشباب في تنمية المجتمع

الحمد لله ربّ العالمين ؛إله الأوّلين والآخرين والعاقبة للمتّقين ولا عدوان إلاّ على الظّالمين ثمّ صلاته وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أمّا بعد ؛ عباد المستمعون الكرام ، يحتفل العالم بيوم الشباب الدولي في الثاني عشر من اغسطس من كل عام، والإسلام سبقهم إلى معرفة قيمة الشباب والشبابية في المجتمع والحياة الإنسانية كلها، وإنّ الشباب عمود المجتمع، بهم يقوى ويبقى، ومن دونهم يضعف ويضمحل. وتقوم الأمم والشعوب بسواعد ونشاط وعلم الشّباب فيها، كما أنّ كسلهم وجهلهم هو عين التخلّف والتّراجع عن ركب الحضارة والتقدّم.

اعتناء الإسلام بالشباب: اعتنى الإسلام بالشّباب عناية فائقة، ووجَّههم توجيهًا سديدًا نحو البناء والنّماء والخير، واهتمّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالشّباب اهتمامًا كبيرًا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدّعوة فأيّدوه ونصروه ونشروا الإسلام وتحمّلوا في سبيل ذلك المشاق والعنت. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “ما آتى الله عزّ وجلّ عبدًا علمًا إلاّ شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشّباب”، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، وقوله تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12].

 وعمل عليه الصّلاة والسّلام على تهذيب أخلاق الشّباب، وشحذ هممهم، وتوجيه طاقاتهم، وإعدادهم لتحمّل المسؤولية في قيادة الأمّة، كما حفّزهم على العمل والعبادة، فقال عليه الصّلاة والسّلام: « سبعة يُظلّهُم الله في ظِلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.. »؛ وعدَّ منهم: « شاب نشأ في عبادة الله ». وحثّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الشّباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، فقال: « المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف »، غير أنّه نوَّه إلى أنّ القوّة ليست بقوّة البنيان فقط، ولكنّها قوّة امتلاك النّفس والتحكّم في طبائعها، فقال: « ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب ».

الشباب وتحمل المسؤولية: فعلى قيادات الأمّة في مختلف المجالات وعلى كلّ المستويات أن تُسنِد إلى الشّباب المناصب والمسؤوليات، إعدادًا لهم، وتنميةً لملكاتهم، وتفجيرًا للكامن من طاقاتهم، مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بالشّيوخ والكبار، والاستفادة من خبرتهم، والاقتباس من تجاربهم؛ حتّى تلتحمَ قوّة الشّباب مع حكمة الشّيوخ، فيُثمرَا رشادًا في الرّأي وصلاحًا في العمل، ولله درُّ عمر بن الخطاب الّذي كان يتّخذ من شباب الأمّة الواعي المستنير مستشارِين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمّة.

 إنّنا حينما نتأمّل حالة مجتمعنا اليوم ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب، نجده منصرفًا إلى ما يهدم دعائم وطننا هذا بدل بنائها وإقامتها؛ إذ يختفي حسّ المسؤولية وينعدم الواجب، وتغيب التّضحية وراء ستائر العبث والاستهتار واللامبالاة، فلا يبقى إلاّ الدّور السّلبي الّذي أصبح يقوم به جلّ الشّباب، إذا لم نقل كلّهم استثناءً لفئة قليلة جدًّا.

إنّ منافذ اللّهو ومعاقل الفساد، وأوكار الشرّ ومواطن الكسل، ومكامن الخمول الّتي تستهوي شبابنا اليوم، تقضي على دوره الإيجابي في المجتمع، وليس هناك أكثر من سبل الشّيطان ومغاويه في الحياة، وليس أسهل من الوقوع في شركها حينما تنقاد النّفس مع شراع الشّهوات والملذّات المستهوية.

وبناء على ذلك، فليس غريبًا أن نجد فئات واسعة من الشّباب في عمر الزّهور يقتلون أوقاتهم فيما لا طائل من ورائه؛ جلوسًا في المقاهي طيلة اليوم كالعجزة راصدين كلّ غاد ورائح، أو رابضين أمام أبواب الإعداديات والثانويات يتصيّدون تلميذات المدارس للتحرّش بهنّ ومضايقتهنّ، وفي أحسن الأحوال يمكثون في بيوتهم نائمين إلى ساعات متأخرة جدًّا من النّهار، أو جالسين إلى قنوات اللّهو والموسيقى.

 ضرورة تنمية الشباب:

إنّ تنمية الشّباب – روحيًا وعقليًا وجسديًا تنمية جيِّدة وبشكل سليم – تنتج شبابًا يحمل همّ الأمّة، متوجّها للخير نافعًا ومطوّرًا للمجتمع، مواجها لتحديات الحاضر، فيسعى لنمو المجتمع وازدهاره وبلوغه أعلى درجات الكمال الحضاري، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، فأمّا إذا كانوا بخلاف ما سبق، من تنمية متدنيّة غير مهتمّة بالشّباب، وشباب غير مهتم بما خصّه الله من خصال، منصرف إلى حياة اللّهو والدّعَة، بحجّة أنّهم يريدون أن يعيشوا شبابهم، وأنّ الشّباب للمتعة والاستمتاع فقط، غير مدركين أنّ هذه المرحلة من حياتهم قد ألقي فيها على عاتقهم أمر الأمّة والمجتمع، فهذا ضياع لطاقة فعالة وإهدار لأكبر قوى منتجة.  فعلى المجتمع أن ينمّي الشّباب روحيًا وعقليًا وجسديًا وعدم إهمالهم، فإنّ اعتزاز أيّ أمّة بنفسها هو اعتزازها بشبابها أوّلاً؛ إذ هم الدّعائم القويّة والمتينة الّتي تستطيع أن تبني بها صروح أمجادها حاضرًا ومستقبلاً؛

الدّعاء: اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولّي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام. اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب  النّار.

Scroll to Top