بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثالثة لشهر شوال بتأريخ 20 /10/ 1446ه (81/4/ 2025)
الموضوع: ضَرُورَةُ الإِيمَانِ بِالله وَالتَّوكّل عَلَيْه وَطَلَبِ الْعَوْنِ مِنْهُ .
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد عباد الله : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
نتحدث اليوم عن ضرورة الإيمان بالله والتوكل عليه وطلب العون منه وهو موضوع عظيم النفع، جليل القدر، كبير الأثر، يحتاج إليه العبد في سرّائه وضرّائه، وفي جميع أحواله. دلت على فضله آيات عديدة، وأحاديث كثيرة، من التزم به حماه الله ووقاه، ورزقه وكفاه.
عباد الله ! وقد ذكر ابن القَيِّم رحمه الله في كتابه “مدارج السالكين” أن التوَكُّل حالٌ مرَكَّبة من مجموع أمور، لا يتحقق التوكل إلا بها:
أولها: معرفة بالرب وصفاته؛ من قدرته وكفايته وقَيّوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.
الثاني: الأخْذ بالأسباب؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جَعَل لكلِّ شيء سببًا.
الثالث: رُسُوخ القلب في مقام التوحيد، وعلى قدر تجريد التوحيد وصحتِه تكون صحة التوكل. أن يعتقد العبد أن الله وحده هو القادر على تحقيق مطالبه وحاجاته، وأن كل ما يحصل له إنما هو بتدبير الله وإرادته. وفي هذا قال عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].
الرابع: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه، فلا يتعَلَّق بالأسباب، ولكن يعتمد على مُدَبِّر الأمر، ومُسَبِّب الأسباب.
الخامس: حسن الظن بالله عز وجل، فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، فتعتقد أنَّ تدبير الله عزَّ وجل لك خير مِن تدبيرك لنفسك. اليقين بأن الله تعالى سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته، وعلق قلبه بخالقه ومولاه. وفي هذا قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].
السادس: استسلام القلب لله، وانجذاب دواعيه كلها إليه.
السابع: التفويض؛ وهو روح التوكل ولبه وحقيقته، وهو إلقاء الأمور كلها إلى الله وإنزالها به، طلبا واختيارا، لا كرها واضطرارا. قال عز وجل على لسان نبيه شعيب: ﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ﴾.
الثامن: الرضا؛ وهي ثمرة التوكل. فإن من توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله.
الحاجة إلى التوكل على الله والاعتماد عليه سبحانه:
التوكل ينشأ من علم العبد أن الأمور كلها بيد الله، وأن الخلائق كلها في قبضة الله، وتحت تصرفه وتدبيره، وأن العباد كلَّهم بإنسهم وجنهم، وقويهم وضعيفهم، وغنيهم وفقيرهم، مفتقرون إلى الله، وفي حاجة إلى الله، والله وحده هو الغني الحميد. فإن كنت ضعيفا فتوكل على الله فهو القوي، وإن كنت فقيرا فتوكل على الله فهو الغني، وإن كنت ذليلا فتوكل على الله فهو العزيز، وأيّاً ما كانت حالتك توكل على الله فهو نعم المولى ونعم النصير، وهو على كل شيء وكيل.
فما أفقر الإنسان وما أضعفه، لولا عناية الله به وتوفيقه وعونه ورحمته. فالخالق هو الله، والرازق هو الله، والمدبر لكل الأمور هو الله. والله سبحانه وتعالى حيٌّ قَيُّوم، لا يغفل عن التصريف والتدبير، وهو سبحانه وتعالى عزيزٌ لا يُغلب، قوي لا يقهر، فلا يَذِلُّ مَن استجار به، ولا يَضيع مَن لاذ بجنابه، حكيمٌ يضع كل شيء في نصابه، رحيمٌ هو أرحمُ بعبدِه المؤمن من رحمة الوالدة بولدها، وقد جاءتْ آيات التوكُّل مقْرُونة بهذه الصفات وأمثالها؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58]، وقال: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49]، وقال: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ [الشعراء: 217]. وقال تعالى: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾ [المزمل: 9]. فمن اتخذ الله وكيلا استراح من هموم الحياة وتعبها، وفاز بالعزة والرحمة والتوفيق من الله عز وجل.
فتعلق بالله ليَهديك، والجأ إليه ليَحميك، واستجره ليُجيرك، وسله ليُعطيك، وتضرع إليه ليُجيبك، واستعن به ليُعينك، وارفع إليه حاجتك ليَكفيك…
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فما حصل في غزة ليس شراً محضاً بل فيه خيرٌ كثير يعرفه من نوَّر الله بصيرته بالإيمان، قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) سورة البقرة 216
ومن تابع الأحداثَ، ومجرياتِ الأمور، وشاهدَ ما حصل لأهل غزة،، وما تبع ذلك من تصريحاتٍ، وبياناتٍ، وفتاوى، ومظاهراتٍ، ظهر له جلياً الفرقُ بين دراسة مسائل الإيمان والعقيدة نظرياً في المساجد والفصول الدراسية
وبين تطبيق مقتضياتها في ميادين الجهاد وعلى أرض الواقع، حيث تُمحَّص القَناعات، ويظهر أثرُ اليقين على النفوس، ويثبِّتُ الله من أراد به خيراً من أهل الصدق وحسن التوكل عليه، ويوفقه للعمل بمقتضيات الإيمان والتقوى، ورأسُّ هذا الأمر: المعتقد الصحيح الذي من تمسَّك به علماً واستدلالاً كان أقرب للتحقق به عملاً، فجمع الله لأهل الثغر بين الفضيلتين، ومن هذه المعاني التي تجلت بوضوح سواءً لأهالي غزة أو لغيرهم من المؤمنين الصادقين والتي دلت على ثباتهم ورسوخ عقيدتهم: الإيمانُ بالقضاء والقدر، وصدقُ اللجوء إلى الله عز وجل والتوكلُ عليه، ومعاني الأخوة الإيمانية، وحُسْنُ الظن بالله، واليقينُ بموعودِ الله ونصره، وفي المقابل: هناك قوم سقطوا في الفتنة وخدشوا توحيدهم أو نقضوا إيمانهم بمظاهرة الكافرين على المسلمين وإخلالهم بعقيدة الولاء والبراء وسوء ظنهم بالله تعالى
عباد الله الكرام لقد جاءت في السنة المطهرة نبوءات عن مقتلة غزة كما أخبر بها رسول الله ﷺ وكثيرٌ منا لايعرفها أو غُيِبت عنه وهي من أنباء آخر الزمان، وقبل ذلك هناك ملاحظة هامة، وهي أن غزة إلى العام 47 كانت تعتبر جزءاً من عسقلان الكبرى ، والشافعي رحمه الله كان يقول مرة أنا غزة ومرة أنا من عسقلان.
فَعنْ أَبِي عِقَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ، يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا، لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ (رواه أحمد- 13356)
وفي رواية له: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ، يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ، رُءُوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ، تَثُجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا، يَقُولُونَ: رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخَلِفُ الْمِيعَادِ، فَيَقُولُ: صَدَقَ عِبَادِي، اغْسِلُوهُمْ بِنَهْرِ الْبَيْضَةِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ نَقَاءً بِيضًا، فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا» “. (رواه أحمد- 16665) (وَفِيهِ أَبُو عِقَالٍ: هِلَالُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَسَارٍ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. وَفِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ خِلَافٌ) فَقِسْ ذلك بما يجري الآن في غزة العزة، ومن هنا كان لابد من إيضاح هذه المعاني لأن أحداث غزة باتت امتحاناً عملياً اجتازه من وفقه الله وسقط فيه من لم يرد الله به خيراً (ألا في الفتنة سقطوا ) (التوبة 49)
الدعاء:
اللهم انصرهم بنصرك الذى وعدت لعبادك المستضعفين فى كل مكان، اللهم انصرهم بنصرك الذي وعدت لإخواننا المستضعفين فى فلسطين وأهل غزة، اللهم أمدهم بمددك الذي لا تنقطع، اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم وانصرهم نصرا عزيزا مؤزرا، اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ إخواننا المجاهدين في كل بقعة وكن معهم ولا تكن عليهم وفرج المعتقلين منهم برحمتك يا أرحم الراحمين