الخطبة الثالثة لشهر ذي الحجة: بتاريخ 24/12/1446هـ (20 مايو 2025م)
الأمانة والوفاء بالعهد من الأخلاق المحمودة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الأمانةَ والوفاءَ بِالْعهد من صفات المؤمنين ومن علامات المتَّقين الصادقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَعَدَ عَلَى الأمانةِ والوفاءِ بالعهدِ بِفَسِيحِ جَنَّاتِهِ وَنَيْلِ رِضْوَانِه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، خَيْرُ مَنْ أدَّى الأمانةَ، وَوَفَى بِالعهدِ، وبلَّغ الرِّسالة، وعبَدَ ربَّهُ حتَّى أتاهُ الْيقين، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان وسلَّمَ تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى -أيها المؤمنون- فإن تقوى الله -جل وعلا- عِزٌّ لصاحبها وتَمكِينٌ له، ورِفعةٌ فى الدنيا والآخرة ،والعاقبة دائما وأبدا لأهل التقوى، { وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} (سورة القصص 82)
أيها الإخوة الكرام، اعلموا رحمكم الله أن الأمانة هي دليل هام بشَكْلٍ كبيرٍ على حسن خلق الفرد، وعلى الأخلاق الحميدة التي يتصف بها الإنسان، وبالتالي لها مجموعة من المواصفات التي تأتي وتندرج تحتها، منها: الوفاء بالعهد الذي هو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، وأدب رباني كبير، وخلق نبوي حميد، وسلوك إسلامي نبيل، ولأجل مَا لِلأمانةِ والوفاء بالعهد من أهْمِيَّةٍ فى الإسلام، سيدور موضوع خطبتنا اليوم حول: ” الأمانة والوفاء بالعهد من الأخلاق المحمودة “
أيها الإخوة المسلمون، والأمانة فى الإسلام لها شأنٌ خطيرٌ ووقعٌ عظيمٌ، فقد عرض الله تعالى حملها على السموات والأرض والجبال فأشفقن من حملها، لأن هؤلاء المخلوقات التي ليست لها إلا طاعة كاملة لِربِّها عز وجل، يَعْلَمْنَ عقوبةَ مَنْ فَرَّطَ فى حِفْظِها وأدائها، قال مُقاتِلُ بنُ حَيَّان فى تفسير هَذِهِ الآية: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (سورة الأحزاب: 72): إِنَّ اللَّهَ تعالى حِينَ خَلَقَ خَلْقَهُ، جمَعَ بَيْنَ الإنْسِ والْجِنِّ، والسَّمواتِ والأرْضِ والْجِبالِ، فَبَدَأ بالسمواتِ فَعَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ وَهِيَ الطَّاعَةُ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ، وَلَكِنْ عَلَى الْفَضْلِ وَالْكَرَامَةِ وَالثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ … ؟ فَقُلْنَ: يَا رَبِّ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَيْسَتْ بِنَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّا لَكَ مُطِيعِينَ. ثُمَّ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى الْأَرْضِينَ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَقْبَلْنَهَا مِنِّي، وَأُعْطِيكُنَّ الْفَضْلَ وَالْكَرَامَةَ ؟ فَقُلْنَ: لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى هَذَا يَا رَبِّ وَلَا نُطِيقُ، وَلَكِنَّا لَكَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، لَا نَعْصِيكَ فِي شَيْءٍ تَأْمُرُنَا بِهِ. ثُمَّ قَرَّبَ آدَمَ فَقَالَ لَهُ: أَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَرْعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا؟ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ آدَمُ: مَا لِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا آدَمُ، إِنْ أَحْسَنْتَ وَأَطَعْتَ وَرَعَيْتَ الْأَمَانَةَ، فَلَكَ عِنْدِي الْكَرَامَةُ وَالْفَضْلُ وَحُسْنُ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ. وَإِنْ عَصَيْتَ وَلَمْ ترْعَها حَقَّ رعايتها وَأَسَأْتَ، فَإِنِّي مُعَذِّبُكَ وَمُعَاقِبُكَ وَأُنْزِلُكَ النَّارَ. قَالَ: رَضِيتُ يَا رَبِّ. وتَحمَّلها ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ حَمَّلْتُكَهَا”، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ} .( رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. أنظر: تفسير ابن كثير ط دار الكتب العلمية 6/432).
إخوة الإيمان، إنَّ لِلْأمانةِ مفهومًا واسعًا فى الإسلام، ولا يقتصر مفهومها على المعاملات المالية والودائع المستودعة، ولكنه شامل لجوانب حياة الإنسان المسلم كلها. فالدِّينُ أُولىَ الأمانات وأجلها. وحفظ أمانة الدين: التصديق بأخباره ووعده ووعيده، والعمل بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والدعوة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة من أجله، وإخلاص الدين لله تعالى وصرف جميع أنواع العبادة له عز وجل، ثم حقوق العباد من الأمانات التي تجب أداؤها، فالأبناء أمانة على الوالدين، ومن أداء أمانة الأبناء على الوالدين تربيتهم تربية حسنة وتعليمهم مبادئ الإسلام، وكذلك من أداء الأمانة القيام ببر الوالدين الواجب للأباء على الأبناء، وخدمتهما والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، ومن أداء الأمانة حفظ الحقوق الزوجية بين الزوجين، بحسن المعاشرة والتناصح والتعاون بينهما. ومما يدخل في معاني الأمانة ألاَّ يُسْنِدَ مَنْصِبٌ إلاَّ لِصاحبِه الْحَقيقِ بِهِ، ولمن هو أهل له من أهل الخير والصلاح والاستقامة، ولأن توسيد العمل إلى غير أهله فيترتب عليه عدم استقرار المجتمع وثباته : وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)) قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)) (رواه البخاري وأحمد) “فانتظر الساعة: كناية عن انتهاء الحياة والاستقرار”. وليحذر المسؤول أن يولي زمام الأمور لمن ليس بأهل لها، إما محاباة لأحد أو لأجل حصول منفعة دنيوية ولهذا قال ﷺ: ((مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالْمُؤْمِنِينَ)) (أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس. وانظر: سبل السلام 2/666)، و عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ، قَالَ: (( مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ)) (رواه أحمد والحاكم وصححه). وقد سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الوظائفَ أماناتٍ ونَصَحَ الضعفاءَ عن طلبِها، فقد سأله أبو ذر رضي الله عنه أن يستعمله فضرب بيده على منكبه وقال: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ فَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)) (رواه مسلم وأحمد). ومن أعظم الأماتة: تلك الأمانة التي أُنِيطَتْ بِالزعماء والرؤساء والقضاة والمعلمين، فالحكم العدل بين الناس أمانة فى أعناق الزعماء والرؤساءِ والقضاة، وقد أمر الله تعالي بذلك فى قوله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (سورة النساء: 58)، وتزويد الطلاب بالعلوم النافعة، وتربيتهم تربية حسنة أمانةٌ فى رقِاب المعلمين التي يجب أداؤها، ومن مجالاتها -أيضا -أيها المسلمون- أنَّ عُمْرَ الإنسان أمانةٌ عنده، وهو وعاء يجب أن يَمْلَأَهُ بالْخيرِ والعملِ الصالحِ، لأن هذا العُمْرَ سوف يُسْأَلُ عنه، وفى الحديث : ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)) (رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِي)، وجَوَارِحُنا أمانةٌ فى أعناقنا: البصر والسمع والفرج، قال الله تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (سورة الإسراء: 36)، وقوله: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…} (سورة النور: 30-31)، فالأمانة خُلُقٌ شاملٌ لكلِّ مَظاهِرِ الْحياة، وأداؤها سببٌ عظيمٌ لدخول الجنة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (( خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ، وَأَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ )) ( حديث حسن رواه أبو داود وأحمد والطراني في المعجم الصغير).
أيها المستمعون الكرام، اعلموا رحمكم الله، أن الوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به، سواء كان قولا أم فعلا، ولا يَبْرأُ إلا بالوفاء به، وعندما يُخْلِفُ عن قَصْدٍ، يَخْرجُ عن نِطَاقِ الإيمانِ، ويقع فى دائرة النفاق، وعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ ﷺ إِلَّا قَالَ: (( لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ )) حديث حسن رواه أحمد فى المسند) وعَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) (رواه أحمد فى المسند والبيهقي في السنن الصغير و إسناده صحيح على شرط مسلم). وقد أرشد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى قيمة الوفاء وضَمِنَ الجنَّةَ لِمَنْ أداهُ، و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ )) (حديث حسن لغيره رواه أحمد. وانظر: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد لصهيب عبد الجبار 4/54).
وناكث العهد -عباد الله- خَصْمٌ، ويكون خصْمُه يوم القيامة ربُّ العالمين، وعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- عن النبي ﷺ قالَ: (( قالَ الله: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ: رجُلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باعَ حُرّاً، فأكَلَ ثمَنَهُ، ورجُلٌ استأْجَرَ أجيراً، فاستوفى منهُ، ولم يُعْطِهِ أجْرَهُ)) (انظر: مختصر صحيح الإمام البخاري 2/73 و سنن ابن ماجه 3/510).
أيها المسلمون، هناك أنواع الوفاء ومن أهَمِّها: أوّلاً: الوفاء بالعهد بين العبد وربه: قال الله تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (سورة يس:60-61) ثانيا: الوفاء بالعهود ، وقد أمر الله تعالى بذلك فى كتابه: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (سورة الإسراء: 34) ثالثا: الوفاء بالأجور، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ )) (حديث حسن لغيره، رواه ابن ماجه)، رابعا: الوفاء بالنذور، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} سورة الإنسان: 7) أي: بما ألْزَمُوا به أنفسَهم لله من النُّذور والْمُعَاهَدَات.
بارك الله لي ولكم فى القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
نحمد الله تعالى على إحسانه وتوفيقه ونشكره على نعمه التي لا تحصى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل عليه وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى عباد الله فى كل حين وتذكروا قول الحق فى كتابه الكريم: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة: 27)
أيها المسلمون، عاد الحجاج بعد المناسك المباركة، فهنيئا لهم، فاعلموا رحمكم الله أن الحج المبرور هو الذي يكون حال الحاج بعده خيرا من حاله قبله، ومن علاماته: أن يَسْتَمرّ الحاجُّ فى طاعة الله، مُدَاوِمُ عليها، فالحسنة تَجُرُّ الحسنة، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَل)) (رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده) ، وإن للمداومة آثارا عظيمة منها: أولا: اتصال القلب بالله. ثانيا: ترويض النفس على طاعة الله. ثالثا: أنها سبب لمحبة الله وولايته، رابعا: النجاة من الشدائد. خامسا: المداومة سببٌ لِمَحْو الخطايا،
عباد الله ندين الهجوم العنيف الأخير فى Yelewata) ) فى ولاية بينو، حيث قُتِل المئات من الناس، بما فى ذلك الأطفال والنساء، وقتل النفس بغير حق من المحرمات فى الإسلام، بل من الموبقات التي يجب اجتنابها، قال الله تعالى: { مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٍ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاً} (سورة المائدة 32)، وقال صلى الله عليه وسلم: «اجتبوا السبع المبقات» قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) ( أخرجه البخاري ومسلم), وندعو السلطات المعنية أن تحفظ نفوس أبناء هذا البلد وأموالهم، لأنَّ حفظ النفس والأموال من الضروريات.
عباد الله، لقد تابع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ببالغ الأسى والغضب، العدوان الصهيوني الغادر والجبان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الجمعة الماضية، ذلك الاعتداء السافر الذي يُعدّ خرقًا لكل الأعراف الدولية، وتهديدًا للأمن والسلم الإقليمي والعالمي، واستهانةً بأرواح الأبرياء، واستخفافًا بكرامة الأمة الإسلامية.
إن هذا العدوان الغاشم هو صفحة جديدة في سجلّ الإجرام الصهيوني، الذي لم يتوقف يومًا عن نشر الفوضى وسفك الدماء، وتهديد السلم، قال الله تعالى : وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران: 139)
إننا في هذا المقام، نُدين بأشدّ عبارات الإدانة والاستنكار هذا الهجوم الغادر، ونعتبره امتدادًا لسياسة البطش الصهيونية التي لا تقيم وزنًا لحرمة النفس البشرية ولا لكرامة الشعوب. ففلسطين تنزف، وغزّة تحت الحصار، وها هي إيران تتعرض للقصف والعدوان في مشهد متكرر لجبروت هذا الكيان المغتصب. أيها المؤمنونلقد وعد الله تعالى بنصر المؤمنين ورفع الظلم عن المظلومين، قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227)
وإننا اليوم نذكّر الأمة الإسلامية حكومات وشعوبًا، علماء وقادة، بواجب نصرة المظلومين والوقوف صفًا واحدًا أمام هذا الطغيان، فقد قال النبي ﷺ: “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا“ قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إذَا كانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إذَا كانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: “تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ“ ( رواه البخاري)
أيها المسلمون: إن ما يحدث من اعتداءات صهيونية متكررة على الأمة الإسلامية، سواء في غزة أو في إيران أو في سوريا ولبنان وغيرها، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يرتدع إلا بوحدة الصف الإسلامي، وصدق العزائم، وتكاتف الشعوب والقيادات. ونحن إذ نُدين هذا العدوان السافر، فإننا نؤكد على ما يلي:
- ضرورة وحدة الصف الإسلامي في مواجهة العدوان الصهيوني.
- الوقوف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حقها في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها.
- التضامن مع المستضعفين والمظلومين في كل بقاع الأرض، فذلك من صميم عقيدتنا.
- الدعاء إلى الله أن ينصر عباده المؤمنين، ويكف بأس الظالمين، ويهلك الطغاة المعتدين.
الدعاء: اللهم إنك القويّ الجبّار، نسألك أن ترد كيد الصهاينة في نحورهم، وأن تجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم، وأن تنصر عبادك الموحدين في إيران وفلسطين وكل أرض يُذكر فيها اسمك. اللهم احفظ بلاد المسلمين من كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، وتسلّط الظالمين. اللهم اجعلنا من أنصار الحق، وارزقنا الثبات على طريقك حتى نلقاك. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطايانا، وإسرافنا على أنفسنا، وأنت أعلم بذنوبنا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، واجعلنا من أهل الجنة، ونَجِّنا من النار. برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.