بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثانية لشهر الله المحرّم بتأريخ 16/1/1447هــــ-11/7/2025م
حول: أَضْرَار الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فِي الْمُجْتَمَعِ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويفرج الكروب، يبسط يده بالليل لمسيء النهار ليتوب، ويبسط يده بالنهار لمسيء الليل ليتوب ويؤوب.، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد,
فيا عباد الله أوصِيكُمْ ونفسي بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ, طِبْقاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” (آلِ عِمْرَانَ : 2/102). إنّ الطاعة عباد الله هي الامتثال والاتباع، والمعصية هي المخالفة والابتداع، وشر الأمور البدع والمحدثات، والمعاصي والمنكرات، وأشدها بلاء الشهوات والشبهات، فاتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر.
عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ، وَحَذَّرَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ مَا حَصَلَ لِلْمُجَاهِرِينَ بِالذُّنُوبِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَحَذَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَاقِبَةِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ وَخَطَرِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.
إخوَةَ الإيمان, هَذَا هُوَ اللّقاءُ الثّانِي فِي شَهْرِ اللهِ الْمُحَرّم, وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَنٍ تَسَاهَلَ فِيهِ الْناس بِالذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَأَصْبَحَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ مَنْ يُجَاهِرُ بِالذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ وَكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَهِينُ بِالذُّنُوبِ وَيُدْمِنُ عَلَى مَعْصِيَةِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، فَتَرَاهُ يَحْضُرُ وَيَنْشُرُ وَيَدْعُو لِأَمَاكِنِ الْفِسْقِ وَالْمُجُونِ وَيُبَارِزُ اللَّهَ بِالْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَاقِبَةِ الْمُجَاهَرَةِ بِالذُّنُوبِ فَقَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ”. وعلى حذر هذا تدور خطبتنا في هذا الأسبوع حول “أضرار الذنوب والمعاصي في المجتمع”
إخوةَ الإسلامِ, إن المجتمعَ المسلم متى فشت فيه المعاصي والموبقاتُ وعمّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات كان ذلك سبباً في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعهاً، ففي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري ” ، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10]
أيّها المسلمون الكرام، إن الله جل وعلا لا يأمر إلا بما يتضمَّن كلَّ خير للعباد، وما يحقِّق المصالحَ في المعاش والمعاد. ومن هنا فالذنوبُ والمعاصي من أعظم الأضرار على العباد والبلاد، بل كلّ شرٍّ في الدنيا والآخرة فأساسُه ارتكابُ القبائح والموبقات، وسببُه اجتراحُ المعاصي والسيئات. الذنوبُ والمعاصي كم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من مذلّة وبَلية.
معاشرَ المسلمين، للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ما يعود على الفرد والجماعة، وما يصيب القلبَ والبدن، وما يعمّ الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلاّ الله جل وعلا وإن من أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي يعود على الناس كافة، ويضرّ بالمجتمعَ عامة.
فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، وسببٌ لفشوّ الفقر وحرمان البركة فيما أُعطي العباد، جاء في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الرجل ليُحرَم الرزقَ بالذنب يصيبُه” ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ” إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق.
المعاصي والذنوبُ متى تفشَّت في المجتمع تعسَّرت عليه أمورُه، وانغلقت أمامَه السبل، فيجدُ أفرادُه حينئذ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً أمامهم، وطرقَها معسَّرة عليهم، ولا غرو فالله جل وعلا يقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4].
المعاصي سببٌ لهوان العبد على ربّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله “هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم” ومتى هان العبدُ على الله جل وعلا لم يُكرمْه أحد كما قال سبحانه: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج:18].
وإن المجتمعَ المسلم متى فشت فيه المعاصي والموبقاتُ وعمّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات كان ذلك سبباً في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعهاً، ففي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري ” ، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10].
لما فُتحت قُبرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: “ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى”
جاء في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تتداعى الأكلةُ على قصعتها ” ، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة يومئذ؟ قال: “لا، وأنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، تنزَع المهابة من قلوب عدوّكم، ويُجعل في قلوبكم الوهن”، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: “حبُّ الدنيا، وكراهة الموت” ، وفي المسند أيضاً وسنن أبي داود بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهادَ سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم”، وفي روايةٍ: “أنزل الله عليكم من السماء بلاءً، فلا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم“.
ولذا كان من دعاء بعض السلف: “اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك”.
إخوة الإسلام، من آثار الذنوب والمعاصي على البلاد والعباد أنها تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والزروع والثمار والمساكن وغيرها، قال جل وعلا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41] والمراد بالفساد في الآية النقصُ والشرور والآلام التي تحدث في الأرض عند معاصي العباد، فكلَّما أحدثوا ذنباً أحدث الله لهم عقوبة، قال بعض السلف: “كلّما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبةً”، قال مجاهد: “إذا ولي الظالمُ وسعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطرَ، حتى يهلك الحرثُ والنسل”، ثم قرأ هذه الآية ثم قال: “أما والله، ما هو ببحركم هذا، ولكن كلّ قرية على ماءٍ جارٍ فهو بحر”، وبمثله قال غيره من المفسرين.
جاء في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: “يا معشر المهاجرين، خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن: ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم” ، وفي المسند من حديث أم سلمة: ” إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده”.
ولذا ـ عباد الله ـ فأهلُ الطاعة والتقوى في مأمن من الهموم والغموم، وفي بعد عن الضجر والقلق، ذلك بأنهم حقّقوا طاعةّ الله، واجتنبوا معاصيَه، فربنا جل وعلا يقول: (فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام:48]، ويقول عز من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف:12].
فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا طاعتَه تفلحوا، واجتنبوا معاصيَه تسعَدوا، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الْخُطْبَةُ الثّانِية:
الحمد لله ربّ العالمين, ولِيِّ الْمُتّقِين, وناصِرِ الْمُؤمنين, الّذي لا يُخْلفُ الْمِيعادَ, القائلِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:30/47], نحمده سبحانه وتعالى, ونُصلِّي ونسلِّمُ علَى خير خلق الله سيّدنا ومولانَا مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ والتَّابِعِين لَهُم بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمّا بَعْدُ,
فَيَا عِبَادَ اللهِ, مِنَ الْجَدِير بِالذّكر فِي الوَقْتِ الرّاهِنِ, قَضية إخواننا الْمُجَاهِدِين الْمُقَاوِمِين والْمُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةِ الْعِزَّة .
حماس تردّ على تصريحات نتنياهو بشأن الإفراج عن الأسرى واستسلام غزّة:
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إطلاق سراح الأسرى واستسلام غزة تعكس “أوهام هزيمة”، وإن الإفراج عنهم لن يتم إلا بصفقة تفرض المقاومة شروطها.
وأكدت حركة حماس في بيان، مساء الثلاثاء، أن غزة لن تستسلم، وأن المقاومة ستفرض شروطها كما فرضت المعادلات. وقالت حماس في بيانها، إن تصريح نتنياهو عن “إطلاق سراح جميع الرهائن واستسلام حماس” يعكس الهزيمة النفسية، لا حقائق الميدان.
الضغط العسكري:
وكان نتنياهو قد قال ردًّا على سؤال بشأن السيطرة عسكريًّا على غزة: “نعمل على ألا تحكم حركة حماس القطاع”. وقال نتنياهو :”مصممون على تحقيق جميع أهدافنا بتحرير جميع الرهائن والقضاء على القدرات العسكرية والحكومية لحماس وضمان ألا تشكل غزة تهديدا علينا بعد الآن”
وكان نتنياهو، قد اجتمع في وقت متأخر من مساء الثلاثاء 8/7/2025، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الاجتماع الثاني لهما خلال 24 ساعة ويتركز على غزة.
إخوة الإيمان, قد فشل نتنياهو وجنوده وأعوانه على ميدان الحرب ولم يحصلوا على واحدة من أهدافهم منذ بداية حرب الإبادة والتخريب التي كانوا عليها منذ سنتين ماضيتين. وأحلامهم هذه لن تحقق بإذن الله المولى القدير. وقد قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:37/171-173]
الدّعاء:
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم كن للمستضعفين في غزّة العزّة ناصراً وَمُعِيناً، اللهم كن مع المستضعفين ولا تكن عليهم، اللهم احقن دماءهم، واستر عوراتهم، وآمن روعاتهم، اللهم أبدل لهم من بعد خوفهم أمنا، ومن بعد ضعفهم نصرا، اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، يا قوي يا عزيز، يا قوي يا عزيز.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.