تربية الأولاد لله وجوبها ومنافعها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الأولي لشهر ربيع الثاني بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447 ه  الموافق ب‍‍‍‍ (26\9\2025م)

حول: تربية الأولاد لله : وجوبها ومنافعها .

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، نحمدُهُ سبحانه وتعالى ونشكرُه، ونستعينُه ونستهديه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه. مَن يَهدهِ اللهُ فهو المهتدي، ومَن يُضلل فلن تجدَ له وليًّا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى كل مَنِ اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد،
فعبادَ الله، أوصيكم ونفسي المقصّرة أولًا بتقوى الله عز وجل سرًّا وجهرًا، إذ هي الغاية المقصودة من جميع الطاعات وكافة المأمورات والمنهيات. قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 21).

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عباد الله ! إن الأبناء هم شباب المستقبل للأمة الإسلامية، والقيام بتربيتهم وتعليمهم مهمة عظيمة في هذا الدين،التربية واجب على كل مسلم ومسلمة يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” [التحريم:6]، وفي الآية الكريمة موعظة عظيمة وترهيب من عاقبة النار وجحيمها وما بها من أهوال جسام قال ابن كثير : ، وفي رحاب الآية الكريمة أنك تنهاهم عن معصية الله تعالى وأن تقوم عليهم بأمر الله سبحانه وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله تعالى معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها وهكذا قال الضحاك ومقاتل حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله تعالى عليهم وما نهاهم الله سبحانه عنه” انتهى من (تفسير ابن كثير)

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم المفهوم الشامل للرعاية والمسئولية للقيام بالوفاء بهذه الأمانة وتحملها،  فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه). ولذا فإن أهم ما يتم ترسيخه عند تربية الأبناء مفاهيم الدين لكي تستقيم دنياهم وآخرتهم وينعموا بالصلاح،  ويسعدوا بثمار هذه التربية الشرعية فتجني الأمة الإسلامية نتائج هذا النهج.

قال المناوي رحمه الله تعالى: “لأن يؤدب الرجل ولده عندما يبلغ من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب ويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة وغير ذلك : خير له من أن يتصدق بصاع ؛ لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية ، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها ، وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} [التحريم :6]. فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهم بأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوال والبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة” انتهى من (فيض القدير :5 / 257 ).

ثمرات تربية الأبناء
أولا: الدال على الخير كفاعله
  من أجل ثمرات تربية الأطفال التمتع بثواب وأجر الدلالة على الخير،  فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ” أتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ رجلٌ يستحملُه فلمْ يجدْ عندهُ ما يتحملُهُ فدلَّه على آخرٍ فحملَهُ فأتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فأخبرَه فقال: «إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه»  (الترمذي:2670)،  وعن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فعُمِل بها بعده ، كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَن عمل بها . ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ . ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً ، فعُمِل بها بعدَه ، كُتب عليه مثلُ وِزرِ من عمل بها ، ولا ينقصُ من أوزارِهم شيءٌ» (مسلم:1017)،  ولذا من رزق التوفيق وتأمل عظيم الأجر ونبل الهدف لاستثمر آخرته في تهذيب أولاده،  ولعقد العزم على مصاحبة أطفاله على البر والتقوى،  فكل معروف يتم تعليمه للأبناء يكون في ميزان الآباء بفضل الله الكريم،  وكل خصلة حميدة تم غرسها في الأبناء يجني ثمارها الآباء.

ثانيا: دعاء الولد الصالح للوالدين
إن أكبر خسارة للمسلم عند موته انقطاع عمله الصالح إلا من كان له رصيد من الحسنات الجارية أو حظ عظيم من نشر العلم الشرعي وما ينتفع به المسلمون وأيضا دعاء ولده الصالح فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ : إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له»   (مسلم:1613). ومن أحسن تربية أطفاله على حب الله تعالى فلا ريب أن الله الكريم سيسخر له هذا الولد الصالح كي يثابر على الدعاء له وتزيد حسناته ولا يتجمد رصيد عمله الصالح في صحيفته.

ثالثا: استغفار الأبناء سبب في الرقي في درجات الجنة  
ومن الثمرات الجليلة استغفار الأولاد للوالدين،  فقد بشرنا رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ بفضل هذا الاستغفار فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا؟ فيُقالُ : بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ» صححه الألباني في (صحيح الجامع:1617). ولذا فمن علم أولاده العلم الشرعي، وغرس في نفوسهم الأخلاق، وسعى لتعليمهم فضيلة الاستغفار،  فسيتحصل على نتيجة ذلك فيرتقي في درجات الجنة بفضل الله الحليم العظيم الكريم.

رابعا: حسن تربية البنات سبب في دخول الجنة
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كنَّ له حجابًا من النَّارِ» (الترمذي:1913) ،  وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «مَن عالَ ابنتينِ أو ثلاثًا ، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ ، أو يَموتَ عنهنَّ ؛ كنتُ أنا وهوَ في الجنَّةِ كَهاتينِ . وأشار بأُصْبُعيهِ السبَّابةَ والتي تلِيهَا» صححه الألباني في (صحيح الترغيب:1970). وفي الحديث الشريف حث عظيم على أهمية تربية البنات وعظم ثواب ذلك،  فمن أراد مصاحبة سيد الخلق صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فليؤدب بناته وأخواته،  وليحسن صحبتهن باللين في القول وإسعادهن بكل وجه من وجوه البر والإحسان.

نسأل الله ملك الملوك أن يرزقنا وأطفالنا وأهلنا والمسلمين الوقاية من نار الجحيم،  والحمد لله رب العالمين،  ونصلي ونسلم على رسولنا الحبيب صلى اللهُ عليهِ و سلمَ وعلى آله وصحبه أجمعين،  ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أمر بنصرة المظلوم، ووعد بالفرج لعباده الصابرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

إنا لله وإنا إليه راجعون .

                   ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيئ عنده بأجل مسمى , انتقل إلى رحمة الله تعالى والدنا العلامة سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله أل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية .

إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا , اللهم اغفر له وارحمه ووسع مدخله وارفع درجته فى عليين واجعل ما قدمه فى موازين حسناته والف لأمةفيه خيرا .

ومن الجدير بالذكر أنه : تعين الدكتور الشيخ صالح بن حميد المفتي العام الجديد للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء, خير خلف لخير سلف، عسى الله أن ينفع به ويعينه على الحق .

عباد الله، لقد انعقدت هذه الأيام الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفيها يظهر جليًّا موقف العالم من قضايا الشعوب المظلومة. وأعظم هذه القضايا اليوم هي قضية فلسطين، حيث يواجه إخواننا في غزة والقدس القتل والتشريد والحصار.

ومن أبرز الدروس التي نستخلصها من هذه الدورة ما يلي:

  1. إنّ التأييد الدولي للفلسطينيين يتزايد، فحتى اليوم اعترفت حوالي 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، وهذا العدد الكبير دليل على أن غالبية الدول تدرك الحق ولا تغفل مظلمة هذا الشعب العزيز. غير أنّ هذا التأييد بالرغم من أنه دعم معنوي ودبلوماسي يُعزّز القضية ويضع الضغوط على المعرقلين، إلا أنه لا يكفي أن يكون اعترافًا على الورق، بل يجب أن يُترجم إلى فعلٍ حقيقي يُساند الشعب الفلسطيني في حقّه في الأرض والحرية والكرامة.
  2. إنّ ما نراه من مواقف دولية يُعلّمنا درسًا في العمل الجماعي والتضامن الإنساني، وأن من مقوّمات القوة أن تكون للأمة كلمة واحدة وصفٌّ مرصوص في قضية محورها الحق والشرعية.
  3. أن قوة المسلمين الحقيقية ليست في كلمات الأمم المتحدة، بل في وحدتهم واعتصامهم بحبل الله المتين. قال تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103)
  4. أن الاعتماد على القرارات الدولية وحدها لا يكفي، بل الواجب نصرة المظلومين بالفعل والدعاء والدعم المادي والمعنوي.
  5. أن قضية فلسطين ليست قضية حدود وأرض فحسب، بل هي قضية عقيدة ومقدسات، فيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
  6. ضرورة عودة الأمة إلى دينها وقيمها، فإن النصر لا يكون إلا من عند الله، قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

أيها المسلمون، إن الأمة اليوم مدعوة إلى أن تكون صوتًا واحدًا وصفًّا مرصوصًا في وجه الظلم والطغيان، وأن تربي أبناءها على حب فلسطين والتمسك بثوابت الإسلام.

الدعاء:
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المستضعفين في غزة والضفة، اللهم ارحم شهداءهم، واشفِ جرحاهم، وفكَّ أسرهم، اللهم احفظ قطر وسائر بلاد المسلمين من كيد الأعداء، اللهم اجعل كيد الصهاينة في نحورهم، واشدد وطأتك عليهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. اللَّهُمَّ انْصُرِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَوَحِّدْ صُفُوفَهُمْ، وَوَفِّقْهُمْ لِاتِّبَاعِ كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ. اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا الأَسْبَابَ لِتَحْرِيرِ المَسْجِدِ الأَقْصَى، وَاهْدِ المُسْلِمِينَ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ لِإِقَامَةِ شَرِيعَتِكَ، وَنُصْرَةِ دِينِكَ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ المُعْتَدِينَ، وَبِمَنْ يُعِينُهُمْ مِنَ النَّصَارَى وَالمُنَافِقِينَ. اللَّهُمَّ انْتَقِمْ مِنْهُمْ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تُرَدُّهُ عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ. إِنَّكَ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَالقَادِرُ عَلَيْهَا. وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

Scroll to Top